هل تجرؤ سيمنز؟
شبكة البصرة
سمير داود حنوش
أسئلة كثيرة من الصعب أن تجد أجوبة في ظِل وضع مأزوم يمر به بلد تائه مثل العراق خسر أكثر من ثمانين مليار دولار على تحسين المنظومة الكهربائية تبخرت بِفعل الفساد والسرِقات.
أقوى مُشكلة تواجه الساسة في العراق أنَّ أقوالهم تَسبق أفعالهم، أو في أحسن الظروف تمنيات أن تتحقق تلك الأفعال مُتزامنة مع الأقوال، ربما لأنهم لا يملكون إرادة القرار وقوة التأثير.
زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى ألمانيا للتباحث في توقيع عقد مع شركة سيمنز الألمانية لتأهيل قِطاع الطاقة المُتهالك في العراق، ربما تَكرر المشهد في حكومات سَبقتْ السوداني في البحث عن حلول وإجابات لِمشاكل الكهرباء المُستعصية في العراق بِفعل الفساد ومُحاولات إبقاء الوضع على ما هو عليه كنوع من أنواع الابتزاز للمواطن البسيط في حياته.
عند هبوط طائرة السوداني ونزوله منها بَرز سؤال في أذهان الكثيرين: هل ستكون الأجواء مُهيّأة لِعمل شركة مِثل سيمنز في العراق؟ وليكن السؤال بصورته الأدقّ والأوضح: هل تسمح الأحزاب المُشاركة في السُلطة التي تتقاسم الكعكة لِمثل هذه الشركات بتحسين المنظومة الكهربائية في العراق وهي التي اعتادتْ بِفرض الإتاوات والرشى على كل من يُفكّر بإقامة مشروع استثماري في البلد في حين أنَّ الشركات الرصينة مثل سيمنز ترفض منح أي تنازلات أو رشاوى؟
الجميع يُنادي بِخصوبة الأرض الصالحة للاستثمار حتى بات الخِطاب المُعتاد لأي مسؤول عراقي يزور أي دولة بالدعوة لِشركات ذلك البلد للاستثمار في العراق، لكن ظاهرة الفساد وآفة الرشى المُتنامية دائما ما كانت تُعيق تلك الدعوات.
هل تستطيع سيمنز تحقيق المطلوب؟ سؤال تتراوح إجابته بين التشاؤم والتفاؤل لِيَظل في نُقطة التشاؤل طالما كان القرار خارجيا تتحكّم به الولايات المتحدة وبعض دول جوار العراق.
ربما تُدرِك حكومة المُستشار الألماني أولاف شولتس صعوبة التنفيذ والتفاوض مع السوداني وحكومته والأخير كان وزيرا وفي مواقع حكومية بحكومات سابقة اشترك مع وفود بزيارات ِدول لإيجاد حلول لِمشاكل الكهرباء لم تُحل لِغاية الآن حين كان من سبقه من رؤساء وزراء يُنادون بِحلول لِمُشكلة الطاقة في العراق ودعوات مُتكررة للشركات الألمانية وغيرها لِولوج الأسواق العراقية كانت نتيجتها مُجرّد الحبر الذي كُتِبتْ به الاتفاقيات.
وفيما لو تَمّ تجاوز مُعرقِلات الفساد وصفقات (الكومشنات) التي اعتادت عليها الشخصيات النافذة والأحزاب بفرضها للسماح لِشركات بتنفيذ اتفاقها، يبقى السؤال الذي لا يغيب عن مُخيّلة الكثير من العراقيين: كيف يكون الموقف الأميركي من هذه الاتفاقية؟ وكيف ستكون ردود الأفعال وهي التي تُحاول فرض شركة جنرال إلكتريك لتطوير الكهرباء؟
مُعادلة قد تبدو صعبة تصل إلى درجة الاستحالة في ظِل التهافُت الأميركي على الثروات العراقية.
قد يكون مشهد نهاية حكومة عادل عبدالمهدي التي سبقتْ السوداني حاضرا في المُخيّلة، عندما زار الصين للتفاوض والاتفاق على تطوير البُنى التحتيّة للعراق (النفط مُقابل الإعمار) وتلك النهاية التي أنهت حكومته بِفوضى عارمة، فهل يُكرر السوداني التجربة وهو الذي جالسَ السفيرة الأميركية ألينا رومانسكي واستمع لِتحذيرها من تكرار التجربة؟
لو كان العراق بلدا طبيعيا يحكمه نظام سياسي مُستقل الإرادة وكامل السيادة، من المؤكّد أن الوضع كان سيتغيّر ويجعل الحديث والخوض في تفاصيله هُراء.
ستة آلاف ميغاواط وتزيد ستُضاف إلى المنظومة إضافة إلى عقود صيانة ما يُقارب 13 محطة كهربائية هو ما تضمنه عقد شركة سيمنز مع العراق، ما يبدو أنَّ بانتظاره عواصف عاتية وهزّات وأوراقا للضغط السياسي والاقتصادي.
حاجز الفساد إن عبرته حكومة السوداني فإنَّ حاجز الموقف الأميركي الذي يمزج السياسة بالاقتصاد يجعلنا نعتقد أن التضحية الأميركية لن تكون لأجل عيون العراقيين.
من يوفّر الحماية لِسيمنز، العراق أم الولايات المتحدة؟ ماذا ستكون ردود أفعال الموقف الإيراني الذي يُزوّد المحطات الكهربائية العراقية بالغاز؟
أسئلة كثيرة من الصعب أن تجد أجوبة في ظِل هذا الوقت المأزوم الذي يمر به بلد تائه مثل العراق، خسر أكثر من ثمانين مليار دولار على تحسين المنظومة الكهربائية تبخّرت بِفعل الفساد والسرِقات، لكن المؤكّد أنَّ العراقيين بانتظار الحلول لأزمة الكهرباء التي طال وقتها.
العرب
شبكة البصرة
الاربعاء 25 جماد الثاني 1444 / 18 كانون الثاني 2023
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط