الدرة اليتيمة للمرجعية العقيمة
شبكة البصرة
د. إحسان الثامري
واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إن شجر الوادي ليأدو ختلاً، ويحرق أنياباً عصلاً، وإن صخر الطود لينذر ثكلاً، لا تجدون عنه معلىً.
هكذا تخرج علينا كل جمعة المرجعية النائمة، بعد طول انتظار وترقّب. سجع كُهّان، كل امرىء يفهمه كما يشاء، فهو غير واضح المعنى والمغزى. والكُهّان -لمن لا يعرف- طائفة من الناس كانت تدعي السدانة لآلهة العرب قبل الإسلام، فهي المخولة بالوساطة بين الآلهة والبشر، والكُهّان وحدهم هم الذين يفهمون ماذا يريد الإله، وعمّن يرضى، وممّن يتقبل النذور و«الخمس». ولا يستطيع الإنسان التواصل مع آلهته إلا عبر الكاهن، ويجب إعطائه أجراً على ذلك.
كهنة هذا الزمان لا يختلفون عن كهنة ما قبل الإسلام، نصبوا أنفسهم مرجعيات، وأرهبوا البسطاء والأميين بأن لا يمكنهم فهم دينهم إلا من خلال عمائمهم والأسرار التي يحتفظون بها، فنراهم يحافظون على عبارة (قدس سره الشريف). والإسلام كما يعلم الجميع دين الفطرة والبساطة وليس به أي سر، فقد أتمه الله على يدي نبيه الخاتم الذي أكمل الرسالة وشهد المسلمون بذلك في حجة الوداع.
بعد مجزرة النجف يوم الأربعاء 5 شباط 2020، والتي تعد بحق جريمة ضد الإنسانية، خرج علينا الكاهن أحمد الصافي وكيل المرجعية البائسة في خطبة الجمعة 7 شباط بسجع لا يغني ولا يسمن من جوع، وكأن المجزرة لم تقع في النجف على مقربة منه، خرج بكلام ممجوج، كان عليه أن يخجل قبل إطلاقه، فقد أطلق عبارات فضفاضة عامة يمكن أن يأولها كل فرد بما شُبّه له فيحسبه إلى جانبه، وهو في الحقيقة تضليل للحقائق، وتغطية للجرائم، فليس في خطبته الأسبوعية غير الوصف وكأن مراسل صحفي لا مرجعية يقلدها آلاف المغفلين.
ومع معرفتي التامة بألاعيب هؤلاء الكُهّان ونواياهم الخسيسة، حرصت على الإنصات لما يقول، فقد كنت أمنّي نفسي لأسمع منه كلمة إنصاف بحق الشباب المؤمن الذين طالما غرّروا به وجهّلوه واستغلّوه؛ فلم أجد غير الإدانة الكاذبة، والتعزية السطحية الخالية من المشاعر. والأدهى من ذلك وجدت الكاهن أحمد الصافي يدعو الطرفين لنبذ العنف، وكأن الموقف موقف حرب متكافئة من جيشين، لا شباب ثائر بسلمية وصدور عارية أمام ميليشيات مجرمة تأتمر بأمر المرجعية الكهنوتية، ويكرر عبارات صحفية من مثل: الإخلال بالنظام العام، كشف المعتدين والمندسين، اعتداءات المخربين، الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، القيام بالخطوات الضرورية، انتخابات مبكرة مطمئنة، حكومة يجب أن تكون جديرة بثقة الشعب. ويكاد يفلق السامعين من أتباعه حينما يقول: استعادة هيبة الدولة!! فأي هيبة هذه؟ وأي دولة؟ هل بقي للعراق دولة؟ وهل بقي لنا هيبة في ظل حكومة كهنوتية فاسدة تغطي المرجعية على فسادها وجرائمها بغطاء شرعي.
ولا يريد الكاهن أن يصرح بما هو متأكد منه، بل يقول كاذباً: بعيداً عن التأثيرات الجانبية! فما هذه التأثيرات؟ فهل تخشى التصريح بها أم تستحي؟ أم أنها حرام؟
لكن الأهم من كل هذا ما جاء في نهاية الخطبة، وهو القول بأن المرجعية غير معنية بهذا الشأن، أي مطالب الجماهير وثورتهم في وجه الطغيان والفساد والكهنوت والتبعية والذل. وهذا تفويض مبطن للعصابات الحاكمة بالقتل والقمع والبطش، لكنه تفويض غير مكشوف لأولئك المضلَّلين المساكين من أتباعهم.
إن جبين الإنسانية ليندى من هذه التصريحات المشينة للمرجعية العقيمة، التي لا تستطيع توفير كلمة حق تجاه أتباع يتبعونها بثقة عمياء، وإن التاريخ ليسجل بالخزي والعار هذه المواقف اللا أخلاقية واللا إنسانية تجاه السكوت على قتل الثوار الأبرياء.
إن المرجعية بكل كُهّانها عليهم أن يخجلوا من أنفسهم ومن شعب احتضنهم، يقابلونه بهذا السجع المخجل. وليتقوا آلهتهم التي يأكلون باسمها.
وأنتم أيها العراقيون البسطاء، أيها الطيبون الشرفاء، ماذا تنتظرون من كُهّان لا يفكرون إلا ببطونهم وجيوبهم وفروجهم، ولا يهتمون إلا بالخمس والمتعة، أما الدماء فلا عصمة لها.
وبماذا ترجعون للمرجعية؟ من منكم رآه أو استمع الخطبة منه أو صلى خلفه أو حج معه.
كل الأسئلة التي تريدون إجابات لها أصبحت معروفة مكرورة. أما ما يستجد من فقه فلا يستطيع أي كاهن من كُهّانهم الإجابة عليه، لأنهم لا يعلمون ما الخريطة الجينية ولا التقنية الرقمية، بل إنكم والله تعرفون أكثر منهم عن هذا العالم المتطور المتسارع في التقدم والابتكار.
كُهّان المرجعية لا يريدونكم أن تنظروا إلى الأمام، يريدونكم أن ترجعوا للخلف، للماضي البعيد، ليشغلونكم بصراعات تاريخية عفا عليها الزمن، وثأر وقتل ودماء لا تنتهي. يجب عليكم أن تبقوا تحت إرادتهم كي تدفعوا لهم المحصول، يتمتعون به في أقطار العالم، بكل ما لذ وطاب من الطعام والنساء والطائرات والسيارات والقصور والمسابح والفنادق والأرصدة. أما أنتم فعليكم أن تبقوا في الماضي تكرهون بعضاً وتقتلون بعضاً وتلطمون وتنحبون أبد الدهر على أحداث لا دخل لكم بها، بل هم فصلوها تفصيلاً كي يبقى الحزن والبكاء والتبرعات.
استيقظوا، واكتشفوا زيفهم، وفكروا بمستقبلكم ومستقبل أطفالكم. انظروا إلى الأمام وليس إلى الوراء. احلموا بعراق نظيف متطور يوفر العمل والتعليم والعلاج والرفاهية لكل العراقيين، عراق ذي سيادة وكرامة وعزة، أنتم لستم أقل من غيركم من الشعوب التي بنت أوطانها وأصبحت سيدة نفسها.
أيها العراقيون الطيبون، أيها الشباب الواعي، إن هذه المرجعية مساهمة في احتلال العراق برشوة أمريكية كبيرة، ومساهمة بالفساد وسرقة ثروات العراق، ومساهمة بالتغطية على قتلكم. كيف تنتظرون منها الخير؟!
لن تجدوا منها غير الكلام الخالي من المضمون المبطن والمتلون، والذي هو في الحقيقة إلى جانب الحكومة العميلة القاتلة والسارقة.
أدعوكم جميعاً بأخوية عراقية صادقة طيبة إلى التفكير بالعقل والمنطق: هل هذه مرجعية لكل العراق؟ هل هي مرجعية لكل العراقيين الذين خرجوا يريدون استرداد الوطن، وفيهم من كل العراقيين بكافة أطيافهم. هذه ثورتكم من أجل كرامتكم وحقوقكم فلا تتنازلوا عن هذه الثورة العظيمة لأحد أياً كان.
من حق كل عراقي أن يشعر بالمواطنة الشريفة والكرامة وأن يتمتع بأجواء طبيعية، يتعلم ويعمل ويحب ويعيش في مدن عصرية ويفرح ويسافر ويمتلك بيتاً ويختار النظام الذي يحكمه ويتعالج في أرقى المشافي إن ألم به طارىء ويضمن راتباً تقاعدياً. لا أن يبقى في بؤس ونكد وضنك وبكاء وعويل وتعطيل للحياة العامة ومشي إلى المقابر في ظل مرجعية عقيمة تعيش في الماضي المظلم. نعم للحرية والكرامة، لا للكهنوت.
شبكة البصرة
الثلاثاء 17 جماد الثاني 1441 / 11 شباط 2020
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط