الأقاليم في العراق.. رفض شعبي وعزف على التقسيم
شبكة البصرة
على وقع التظاهرات الحالية التي تجتاح ومنذ أكثر من 100 يوم العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب العراقي، وعلى إثر تصويت البرلمان على قرار بإخراج القوات الأمريكية من العراق، كُشف النقاب عن اجتماع سري عقد في مدينة دبي الإماراتية وحضره مجموعة من السياسيين المحسوبين على المكون السني، إذ ناقش الاجتماع تشكيل أقاليم في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين.
ومع عودة طرح فكرة الأقاليم من جديد، يطرح تساؤل عن مدى مقبولية هذه الفكرة شعبيا خاصة في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين، وما إمكانية تطبيقها على أرض الواقع؟
الأقاليم إلى واجهة الأحداث مجددا
عاد الحديث مجدداً حول ضرورة تأسيس أقاليم في المحافظات الشمالية والغربية ذات الغالبية السنية، ففي الوقت الذي لا تزال فيه البلاد تشهد حالة من عدم الاستقرار والاضطراب السياسي والأمني منذ انطلاق التظاهرات الشعبية في العراق في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عاد طرح فكرة الإقليم في نقاش عقد في مدينة دبي في الـ 10 من كانون الثاني/يناير الجاري وحضره كلا من جمال الكربولي ومحمد الحلبوسي وسعد البزاز وأسامة النجيفي، إضافة إلى شخصيات سياسية وبرلمانية أخرى.
اجتماع سري كشف عنه لاحقا، ليخلف موجة من الرفض الشعبي في المحافظات الشمالية والغربية مع تأييد بعض سياسي السنة من تلك المحافظات لهذه الفكرة ورفض آخرين.
أحد نواب محافظة نينوى قال إن مشروع الإقليم السني لم يعد ذي مقبولية بالنسبة للشارع في نينوى وحتى في الأنبار، إذ أن انتفاضة تشرين وحدت الشعب العراقي على وتر وطني غير طائفي، وبالتالي فإن اجتماع بعض القيادات من نواب وسياسيين لا يخرج عن كونه استغلالا للأوضاع، ومحاولة استحصال مزيد من المكاسب السياسية استغلالا للوضع السياسي المرتبك في بغداد. النائب -الذي اشترط عدم الكشف عن هويته معللا ذلك بضغوط سياسية- أوضح أن الاجتماع الذي تم في دبي ناقش سبل تشكيل أقاليم في نينوى والأنبار وصلاح الدين، لافتا إلى أن هؤلاء السياسيون والنواب تجاهلوا القاعدة الجماهيرية لهذه المحافظات التي لم تعد تثق بهم أساسا، بحسب تعبيره.
ويختتم النائب حديثه بالإشارة إلى أن الاقاليم التي اجتمع بشأنها لا تحظى لا بالقبول الشعبي ولا بالقبول السياسي من نواب المحافظات الشمالية والغربية الذين لم يحضروا الاجتماع.
من جهته يعتقد أستاذ العلوم السياسية “محمود الجميل” أن محاولة بعض السياسيين تشكيل أقاليم في شمال وغرب البلاد لا تخرج عن كونها أسلوبا جديدا من الأطراف المجتمعة في دبي في محاولة للضغط على الأحزاب الشيعية الحاكمة من أجل الحصول على مزيد من المناصب والمكاسب والزعامات، مضيفا أن هذا الاجتماع جاء أيضا محاولة من أطراف عدة اقليمية للدخول على خط الازمة في العراق.
أما المحلل السياسي “رياض الزبيدي” فيرى أن العراق وبسبب ما يعايشه من تشرذم وطني ومذهبي منذ 17 عاما، فإن بعض السياسيين يحاولون الآن اللعب على وتر الأقاليم، على الرغم من أن الوضع الحالي غير موات لمثل هذا الطرح، وكان الأولى بهؤلاء السياسيين أن يعملوا على مثل هذا المشروع أيام الطائفية في عهد “نوري المالكي”.
ولفت الزبيدي إلى أن الاسلوب (الاجتماع) والتوقيت لم يكن موفقا، فانتفاضة تشرين تنادي باسترداد الوطن، وقضى المتظاهرون أكثر من 100 يوم في سوح التظاهرات، وبالتالي فإن مثل هذه المطالبات ستؤثر سلبا على الحركة الاحتجاجية ولو بصورة معنوية، إذ ليس من المنطقي أن يقتل المتظاهرون من أجل استرداد الوطن في الوقت الذي يسعى فيه سياسيون لوأد الوطن وتقسيمه.
رفض شعبي لفكرة الأقاليم
في صعيد ذي صلة، يقول المواطن “قيس محمد” من مدينة الموصل إن النواب لم يفلحوا في شيء، خاصة في الدورة البرلمانية الحالية، إذ لم يعملوا على الضغط من أجل إعادة إعمار محافظاتهم التي باتت خربة، ليفاجأ الموصليون بدعوة إنشاء إقليم في نينوى وغيرها من المحافظات.
ويؤكد محمد أن غاية هؤلاء السياسيين ليست الحفاظ على المكون السني قدر محاولتهم الحفاظ على مكتسباتهم التي يوشكون على فقدانها بسبب انتفاضة تشرين المستمرة، متسائلا: “هل سيكون هؤلاء هم قادة الأقاليم؟.. هم سارقون، سيكرسون محاصصتهم المناطقية هذه المرة، وسيوغلون في الفساد والسرقات”، بحسبه.
من جانبه يعتقد الكاتب الصحفي “علي رأفت” أن الوضع العراقي الحالي لا يحتمل المطالبة بإنشاء أي أقاليم في البلاد، إذ أن العراق بات اليوم بأمس الحاجة للوحدة، خاصة بعد أن أدركت مختلف الطوائف والاقليات وعموم الشعب أن سبب اختلافهم على مدى السنوات السابقة الأحزاب التي خرجوا في تظاهرات حاشدة من أجل التخلص منها، وبالتالي كان على هؤلاء المجتمعين الضغط والدعوة من أجل استحصال حقوق محافظاتهم التي ساهموا في سرقتها مقابل المناصب التي حصلوا عليها.
أما الناشط من مدينة الأنبار “علي خضر” يرى أن الدعوة لإنشاء أقاليم في العراق ستعزز من التفرقة الوطنية وحتى داخل الطائفة الواحدة، متسائلا: “من الذي سيحكم الانبار، أي عشيرة؟ وهل سترضى بقية العشائر وكيف ومن أين الموارد وحتى إن وجدت فمن الذي سيستخرجها؟”.
ويضيف خضر أن أكثر ما يرفضه الشارع الأنباري هو جعل كل محافظة إقليما لوحدها، إذ سيقسمون نينوى لعدة محافظات وكذا الانبار وصلاح الدين، وهذا هو مكمن الخطورة في الفكرة من الأصل.
مشاكل قانونية
من الناحية القانونية، يقول أستاذ القانون الدستوري “مؤيد نجيب” إن الدستور الذي وضعه ساسة المنطقة الخضراء في عام 2005 نص في مادته الـ 119 على أحقية كل محافظة أو أكثر بتكوين إقليم شريطة تقديم ثلث أعضاء مجلس المحافظة طلبا رسميا بذلك إلى رئاسة مجلس الوزراء، ثم يعمد الأخير لرفعه إلى المفوضية العليا للانتخابات.
ويؤكد نجيب على أن هذا الشرط غير متوفر الآن حتى لو أراد الجميع ذلك، إذ أن مجالس المحافظات حلت بقانون برلماني، ولا يعلم أحد متى ستجري الانتخابات المحلية القادمة، فضلا عن أن هناك شرطا آخر يتمثل بأنه في حال وافقت المفوضية على ذلك بعد تقديم مجلس المحافظة طلبا رسميا، فإن اعلان الاقليم يتطلب دستوريا استفتاء شعبيا يكون المصوتون فيه بنعم أكثر من 50% من مجموع المصوتين، وهنا مطب آخر يتمثل بالمفوضية ذاتها وبالتعداد السكاني وبالمناطق المتنازع عليها مع حكومة اقليم كردستان والكثير من المطبات الأخرى.
هو رفض شعبي لطرح بعض النواب والسياسيين فكرة إنشاء أقاليم متعددة في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار، في ظل رفض وتشكيك شعبي بنوايا المطالبين بهذه الأقاليم على اعتبار انهم يسعون لاستحصال مزيد من المكاسب والزعمات على حساب سكان هذه المحافظات.
وكالة يقين
شبكة البصرة
الثلاثاء 26 جماد الاول 1441 / 21 كانون الثاني 2020
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط