هَلْ (كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَام) بَيْنَ تْرَامْب وخَامِنَئي!
صلاح المختار
بعد الهجوم الايراني على قاعدتي عين الأسد والحرير هذا اليوم رد ترامب بأريحية كاملة قائلاً (كل شيء على ما يرام)! فهل حقاً إن كل شيء على ما يرام؟
الجواب هو نعم وكلا، نعم لأن هناك توافقاً بين أمريكا وإسرائيل الشرقية على منع الحرب بينهما، ولا لأن ما عدا منع الحرب توجد صراعات حادة بينهما تحتمل شن هجمات متبادلة أخرى ولكن مقيدة، كي لا تتحول إلى حرب!
أذاً: كيف نفسر تحشيد البوارج الحربية ونقل القوات إلى العراق والمنطقة وهي عملية مكلفة مادياً والتهديدات النارية المتبادلة والتي تجعل الإنسان العادي مفزوعاً؟ إنها معارك صمود وتحمل بينهما، وأحد الطرفين سينهار حتماً ويستسلم للآخر في نهاية المطاف.
هل تتذكرون المثل العراقي (مثل تدليل حامل الصينية) والتي تعني يعامله مثل من يحمل صينية مملوءة بالماء فوق رأسه ويسير بها والرابح من يوصلها للمقر دون سقوط قطرة ماء واحدة، وهو مثل يشبه تحدي (لعبة عض الأصابع) الغربي، ومن سيصرخ أولاً تألماً سيفقد الحرب.
هل جربت في يوم ما أن تحمل صينية مملوءة بالماء وعليك أن لا تسمح بسقوط قطرة واحدة؟ فإن فعلت ذلك فإنك نجحت في ضبط حركه الماء في الصينية، وهذا يشبه إداره الصراع في المجال السياسي والعسكري وما يجري بين أمريكا وإسرائيل الشرقية هو إدارة صراع، فكيف يتم ذلك ولماذا؟
1-أمريكا وبريطانيا نفذتا خطة تنصيب خميني حاكماً في اسرائيل الشرقية في عام 1979 وهذا الأمر تؤكده كافة سياقات الأحداث إضافة لمذكرات كل من (شاه إيران) والجنرال روبرت هويزر قائد القوات الأمريكي في أوربا وقتها، والذي كلفه زبجنيو بريجنسكي بمنع جنرالات الشاه من سحق الانتفاضة الإيرانية بعد أن أصدر الشاه لهم أوامره بسحقها بالدبابات، وتصريحات الحسن بني صدر أول رئيس لإيران الجمهورية المتكررة، وعشرات المذكرات والاعترافات والوثائق. وكان الهدف الذي أصبح معروفاً الآن هو تقسيم الأقطار العربية بنشر الفوضى الهلاكة فيها وإنهاء الرابطة الوطنية لكل قطر عربي ومحو الهوية القومية العربية خدمة لمخططات صهيونية تحمي اسرائيل الغربية بإنهاء النضال العربي، وتوفر للغرب سيطرة اقتصادية واستراتيجية على الوطن العربي أكثر أمناً وثباتاً واتساعاً.
2-الغرب والصهيونية كانا خير من يعرف تاريخ الصراعات العربية الفارسية العتيقة وتجذرها في الضمير الجمعي الفارسي والعربي، ولهذا اختيرت اسرائيل الشرقية لتنفيذ مخطط تفتيت الأقطار العربية طائفياً وعنصرياً لأنه يتماهى من المطامع الامبراطورية الفارسية، ولأن الشاه فشل في تحقيق هذا الهدف بسبب نزعته القومية الفارسية التي عزلته عن بقية المسلمين وزادت العرب حصانة ضد الأحلام الاستعمارية الفارسية، اختار بريجنسكي الدين والطائفة كوسيلة لتنفيذ خطة تفتيت الأقطار العربية، وكان الطرف الوحيد المالك لأدوات التفتيت هو ملالي قم، فكلفوا بهذه المهمة الغربية الصهيونية. ولكن ليس كي تقوم امبراطورية فارسية وتستحوذ على كل فوائد الوطن العربي ويبقى الغرب والصهيونية بلا مكاسب، فتقرر إنه حالما يكمل نظام الملالي المهمة تعاد اسرائيل الشرقية إلى حدودها الأصلية مع منحها امتيازات إقليمية في إطار نظام إقليمي جديد تسيطر عليه أمريكا وتكون الاسرائيليتان الشرقية والغربية وتركيا مثلثه القوي.
3-الآن وبعد 40 عاماً نفذ الملالي الخطة ونشروا الفوضى الهلاكة وجعلوا العرب في وضع المدافع الضعيف، وقتلوا ملايين العرب منذ استلم خميني الحكم وحتى الآن، وهجروا أكثر من 15 مليون عربي من العراق وسوريا، ونشروا الفتن الطائفية والعنصرية والفساد والشذوذ الجنسي وتفككت آلاف العائلات …إلخ بعد اكمال كل هذا انتهت مهمة البلدوزر الإيراني، وحان وقت جعله محراثاً يساعد في زرع نظام إقليمي قوي وهو هدف لا يتحقق إلا بإعادة اسرائيل الشرقية إلى ما بين السكتين لتكون منسجمة مع خطط الغرب والصهيونية.
4-ما يجري منذ سنوات هو أن أمريكا تضع فوق رأسها صينية مملوءة بالماء وعليها منع سكبه، والصينية هي اسرائيل الشرقية فعلى أمريكا والغرب والصهيونية ومع تنفيذ قرار إعادتها لما بين السكتين، يجب عدم إيصالها بالضغوط الحادة والناعمة إلى ما أوصل إليه العراق من خراب ودمار شاملين، بل يجب أن تبقى اسرائيل الشرقية قوية في إطار منضبط إقليمياً وبنظام سياسي أكثر انسجاماً مع مصالح الغرب والصهيونية، ولهذا لم تشتعل الحرب بين الغرب والصهيونية ونظام الملالي رغم مرور 40 عاماً على الصراع الظاهري. وبعد انتهاء مهمته القديمة والعمل على توليه مهمة جديدة فليس المطلوب سكب قطرة واحدة من الماء الإيراني من الصينية بل ابقائه فيها، وهو ما يتطلب حذراً ودقة في الحركة.
5- ترامب وكما فعل كارتر وبعده ريجان وبوش الأب وكلنتون وبوش الصغير وأوباما، ينفذ خطوات في استراتيجية غربية صهيونية عمرها حالياً نصف قرن – منذ اتخذ قرار اعتماد الدين أداة لتقسيم العرب- وكل من هؤلاء الرؤساء نفذ دوره وذهب وسيذهب ترامب بعد أن ينفذ دوره مكملاً أدوار سابقيه، حتى وإن لعن أوباما، وكلمته اليوم بعد مهاجمة القواعد العراقية التي تستضيف قوات أمريكية تؤكد كل ما سبق إعادة التذكير به، وعدم إصابة أمريكي واحد اتفق عليه مسبقاً بين الطرفين بتوسط السفير السويسري في طهران، والصينية فوق رأس ترامب الآن بعد أن سملها له أوباما يجب أن لا تسقط قطرة ماء واحدة منها وبنفس الوقت عليه أن يصل بها إلى المقر.
هذه هي لعبة عض الأصابع بالتعابير الغربية، وهذا هو تحدي حمل صينية ماء فوق رأسك وعليك منع سقوط قطرة واحدة منها بالتعابير العراقية. فلم ننتظر من ترامب أكثر مما يستطيع وخُوِّل؟
Almukhtar44@gmail.com
8-1-2020
مرسلة بواسطة ابو محمد عبد الرحمن في 7:13 ص
التسميات: صلاح المختار