ثــوابــت مـــا يجــــــــــري الان
شبكة ذي قار
صلاح المختار
الان نجد انفسنا امام حقائق دامغة لا تقبل التفسيرات المضللة التي روجت طوال اعوام وابرزها ( ان امريكا ستشن حربا على ايران لانهاء كوارث العرب التي تسببت بها ايران واتباعها العرب ) ! من صدق هذه الاطروحة يخدع نفسه،او انه اداة في لعبة ثلاثية الاطراف ( امريكا والاسرائيليتين الشرقية والغربية ) ،وهو تجاهل صارخ للثوابت الواضحة جدا التي تتحكم بما يجري خصوصا منذ غزو العراق،والدليل هو رد ترامب البارد لدرجة تشجيع المعتدي على منشأت النفط في السعودية كي يتمادى في عدوانه! واهم الثوابت التي بدون تذكرها يستحيل فهم ما يجري ما يلي :
الثابت الاول : ان من ادخل اسرائيل الشرقية للعراق وسلمها بوابته ومفاتحيه هي امريكا وليس غيرها، وذلك لم يكن قرارا مفاجئا،مثلما يفعل رئيس او ملك عربي يرتجل المواقف حتى الخطيرة جدا، بل تم ذلك تطبيقا لستراتيجية قديمة تنفذ منذ عقود تدريجيا وبلا اي توقف او تغيير لثوابتها ،والدليل الحاسم هو ان امريكا جعلت اسرائيل الشرقية وريثتها عندما اجبرتها المقاومة الوطنية العراقية على الانسحاب العسكري ،ولم تسلم العراق لمن راهن كثيرون على انهم رجال امريكا في العراق ،لكن كل هذه الدعايات المضللة انهارت عندما رأينا بان امريكا في عهود بوش الصغير واوباما وترامب هي من تعزز الدور الايراني في العراق والاقطار العربية كلما اوشكت اسرائيل الشرقية على الفشل في مواصلة نشر الكوارث الطائفية والعنصرية.
الثابت الثاني : ان من مصلحة اسرائيل الشرقية تظاهر امريكا بدعم دول الخليج العربي وحمايتها لان ملالي طهران يعرفون انها لعبة ابتزاز للعرب ، وكلما استنزف العرب ماليا وسياسيا زادت فرص اسرائيل الشرقية في التوسع على حساب العرب ، وتلك هي مصلحة اسرائيل الشرقية في وجود امريكا في المنطقة .
الثابت الثالث : ان الوطن العربي خصوصا مشرقة زادت قيمته ولم تقل، فقد روج على نطاق واسع ان امريكا لم تعد تهتم بالمنطقة لانها اخذت تستخدم النفط الصخري وهو كاف لها فلم تعد منابع النفط والمشرق العربي مهمة بالنسبة لها وتفرغت لمواجهة الصين، لهذا فان ترامب لايريد حماية الخليج العربي.ان هذا المنطق خاطئ لسببين جوهريين :
١ – ان النفط كسلعة استهلاكية قلت الحاجة الامريكية اليه بصورة كبيرة ولكن قيمته الستراتيجية والاقتصادية لم تتغير بل زادت، فعلى المستوى الستراتيجي ان يسيطر على نفط الخليج العربي يؤثر بقوة على اقتصادات الصين وغيرها التي تعتمد على نفط الخليج العربي اساسا ،اما اقتصاديا فالنفط والغاز العربي ثروة ضخمة تحت يد امريكا تدعم بها اقتصادها المريض، ناهيك عن ان الاموال الخليجية اسيرة في بنوكها وتسخر لخدمة الاقتصاد الامريكي.ويكفي ان نشير الى ان ترامب حصل على اكثر من تريليون دولار من دول الخليج،والنهب مستمر بتزايد واضح. ومن نتائجه المهمة ان العقود مع السعودية فقط شغلت اكثر من مليون عاطل عن العمل في امريكا، وهذا انجاز ضخم ونوعي في نسبة البطالة لم يحققه اي رئيس منذ نهاية السبعينيات، فهل زالت اهمية النفط العربي بالنسبة لامريكا؟يقينا كلا بل هو احد اعمدة الاقتصاد الامريكي المحتاج اكثر من اي وقت مضى للدعم الخارجي.وهذا ثابت اخر فامريكا شركة كبرى تركض وراء الربح اينما وجد ، فكيف حينما يكون النفط والغاز مجانيان ؟
٢ – ان القيمة الجيوبولتيكية للعراق،وبالتبعية الخليج العربي، زادت بصورة جوهرية لان الصراع الرئيس في العالم تغير جذريا وهو الان بين امريكا التي تتراجع بسرعة في كافة المجالات مقابل صين تصعد بقوة ايضا في كافة المجالات وتزيح امريكا من قمة العالم ، ومن لاينتبه لتأثيرات هذه الحقيقة سيعجز عن فهم ما يجري في وحول العراق، والمعادلة المخفية الان تقول بان من يسيطر على العراق يضمن السيطرة على العالم باسرع وقت وبأقل التكاليف لانه يقع جغرافيا في منطقة الخنق للصين او لامريكا،انظروا لخارطة العالم سترون ان اقصر وارخص طرق الصين الى الغرب يمر عبر باكستان ثم اسرائيل الشرقية واخيرا العراق ، ولهذا فانه ما لم يكن العراق تحت السيطرة الايرانية فان الصين ستجد تحديات كبيرة في الوصول للعالم وستزداد تكلفة سلعها وتلغى القيمة الجيوبولتيكية لموقع اسرائيل الشرقية.
أذا : العراق هو منطقة القتل لامريكا او الصين، فاذا سيطرت الصين عليه عبر اسرائيل الشرقية فان امريكا ستفقد القدرة على لجم تعاظم قدرات الصين وتنتهي زعامتها للعالم،اما اذا عززت امريكا سيطرتها على العراق فانها ستغلق اهم طرق الصين للعالم وبذلك تفقد الكثير من مميزات سلعها، فتبقى امريكا متربعة على قمة العالم لفترة اخرى،وستفقد اسرائيل الشرقية قيمتها الجيوبولتيكية.هنا نرى ان القيمة الجيوبولتيكية للعراق ومحيطه العربي زادت بصورة هائلة ولم تقل كما يروج لاخفاء الاهداف الحقيقية، ولهذا نرى ان الصين تعزز علاقاتها مع اسرائيل الشرقية بينما امريكا تفرط بسوريا من اجل احكام قبضتها على العراق ومنع تحول اسرائيل الشرقية الى ممر دائم للتفوق الصيني.وهذا ثابت رئيس اهماله يفقد القدرة على الفهم الصحيح لما يجري .
الثابت الرابع : ان اعادة اسرائيل الشرقية لما بين خطي السكة، وهو الهدف الستراتيجي لامريكا في هذه المرحلة، يمكن تحقيقه باقل الخسائر عبر العراق وليس بالحرب معها او مع ميليشياتها في لبنان واليمن وغيره،فاحكام القبضة على العراق لايضعف الصين فقط بل انه يحيّد القدرة الايرانية التجارية والجيوبولتيكية ايضا ويضعها امام خيارين : اما مواصلة انهاكها اقتصاديا حتى تنهار حتما او العودة للسكتين الامريكتين ومنع استخدامها كمعبر صيني، وبالمقابل نرى ان اسرائيل الشرقية ترى ان ضرب امريكا في العراق هو اهم وسائل كسبها للصراع من اجل دورها الامبراطوري خصوصا تقاسم الغنائم العربية.فالصراع هو على حجم الدور الايراني في الوطن العربي وليس على الدور ذاته لانه بالاصل دور دعمته امريكا والصهيونية منذ زمن الشاه وتجدد في زمن خميني.
الثابت الخامس : ان اسرائيل الشرقية ذخيرة ستراتيجية عظمى لكل من الغرب خصوصا امريكا واسرائيل الغربية لانها وحدها تملك ادوات بشرية يمكنها اختراق الاقطار العربية بحكم وحدة الدين ووجود المذهبية في الطرفين العربي والفارسي،فهي ليست خارج خندق الاسلام والمنطقة بل هي تعد دولة اسلامية بخلاف اسرائيل الغربية ذات الديانة التي باسمها احتلت فلسطين وتحت غطاءها تعرض العرب لابشع كوارثهم حتى وصول خميني للحكم ففاق الصهيونية اذى للعرب، لهذا فالعرب واغلب المسلمين لديهم حصانة تلقائية ضد اسرائيل الغربية بينما هذه الحصانة تجاه اسرائيل الشرقية لم تكن موجودة قبل وصول خميني للحكم وبدأت هذه الحصانة تتكون الان بعد ان انكشفت حقيقة الاهداف القومية الاستعمارية لها.اذا اكتفينا بهذه الحقائق الجيوبولتيكية وتوجد غيرها ، فان اطروحة ان قيمة الخليج العربي قد انخفضت خاطئة فالقيمة الستراتيجية لم تنخفض بل زادت،وهذه الحقيقة تفرض السؤال التالي : لم اذا يمثل ترامب دور المتراجع عن وعوده بالحماية لدول لخليج العربي مقابل المال الذي استلمه والذي قدم له ولم يقدم لاي رئيس امريكي اخر ؟ ارجو ملاحظة ما يلي :
١ – الستراتيجية الامريكية منذ تبنى زبجنيو بريجنسكي خطة استخدام الدين لتدمير الاتحاد السوفيتي وتفتيت حركات التحررالوطني وتفتيت الهويات الوطنية للامم الاخرى وفي المقدمة الامة العربية،مازالت مستمرة وان تغيرت بعض اشكالها وادواتها ، فاسرائيل الشرقية كانت ومنذ خميني ومازالت اهم ادوات تفتيت الاقطار العربية بمشرقها ومغربها على اسس طائفية وعنصرية ويكفي ان نكرر القول بان كافة دول الاستعمار الغربي واخرها امريكا واسرائيل الغربية وبكل الثقل الصهيوني العالمي قد فشلت في تحقيق احد اهم اهداف الستراتيجية الغربية – الصهيونية القائمة وهو تفتيت الاقطار العربية لكن نظام الملالي نجح في ذلك وهنا تكمن قيمته الستراتيجية العظمى بالنسبة للغرب والصهيونية.
٢ – ولان هذه الخطة يصل تنفيذها مرحلة تنكشف فيها اسرائيل الشرقية بصفتها ناشر الفتن الطائفية والعنصرية في الوطن العربي فان المطلوب لاستمرار التفتيت هو ان يعاد تجميل وجه اسرائيل الشرقية كلما تقبح وصار منفّرا للعرب مادام سلاحها الرئيس هو نغولها العرب ،وليس افضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف السايكولوجي من اظهارها بمظهر من يقاتل الصهيونية وامريكا، وبهذه الوسيلة يضمن تفتيت الاقطار العربية لابعاد الخطر عن الكيان الصهيوني وتعزيز قدراته. ومع ايصال انظمة عربية لحافة التهديد الوجودي تظهر الحاجة لديها للتطبيع مع اسرائيل الغربية كوسيلة وهمية لمنع انهيارها.وما يقوم به ترامب الان ليس سوى تجميل واضح لوجه اسرائيل الشرقية بالتظاهر بان امريكا لاتريد خوض حرب ضدها مقابل خطوات ايرانية تتحدى فيها امريكا والعالم كله وتتفنن في التحدي كي تستقطب المزيد ممن لايعرفون انها مجرد لعبة امريكية – صهيونية تترك فيها اسرائيل الشرقية تبدو كقوة لاتقهر مع انها نمر من ورق، وهو شرط لابد منه لتعزيز معنويات نغولها العرب وبث اليأيس في نفوس العرب ودفعهم اكثر فاكثر للاستسلام للفرس او للتطبيع مع اسرائيل الغربية من جهة ولتقديم المزيد من المال العربي لامريكا !
الثابت السادس الاهم والمحوري : ان تدمير الدولة العراقية وليس اسقاط النظام الوطني فقط بعد احتلال العراق كان المقدمة الحتمية التي بدونها لايمكن نشر الكوارث في الوطن العربي كله ،فقد سارعت امريكا وفورا بتدمير وحل القوات المسلحة وقوى الامن تدميرا شاملا وتفكيك الدولة ومؤسساتها باستثناء وزراة النفط، ونفذت عملية عملية اجتثاث لارحمة فيها لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو عماد امن واستقرار العراق مع القوات المسلحة، وهذه العملية المدروسة قبل سنوات من قبل امريكا كان هدفها الجوهري المتعمد هو جعل العراق بؤرة فوضى هلاكة اسمتها كونداليزا رايس ب ( الفوضى الخلاقة ) نمت فيها كافة اشكال الجراثيم المعدة للتصدير الى الخارج – ارهاب، تصفيات طائفية وعنصرية جماعية، مخدرات، شذوذ جنسي، تدمير العائلة الخ – وكان فتح امريكا بوابة العراق لاسرائيل الشرقية اهم شروط نجاح هذه الخطة ، كي تغزو وتدمر وتبيد الملايين وتهجر ملايين اخرى من العرب.
وفي ضوء ما تقدم يصبح طرح السؤال التالي ضرورة لاغنى عنها : لو ان العراق القوي مازال قائما قبل افتعال ازمة الكويت فهل كان الوطن العربي سيشهد الكوارث الحالية؟ وهل كان خامنئي سيتجرأ على التجاوز على اي قطر عربي؟يقينا كلا فقد كان العراق المؤدب الفعال للسلوك الايراني والضمانة الجوهرية لمنع انتشار الايدز الايراني في الوطن العريي من بوابته وهي البوابة الوحيد ارضا.وبناء على هذا الثابت نلاحظ الاصرار الامريكي – الايراني– الاسرائيلي على منع انهاء كوارث العراق – كما سوريا واليمن وليبيا – واستمرارها مع ان كافة شروط وضع حد لها توفرت منذ سنوات فالمطلوب هو ابقاء بوابة العراق مفتوحة لاسرائيل الشرقية كي تقوم بتدمير الاقطار العربية واحدا بعد الاخر ، وهي مهمة اساسية لم تكتمل بعد.
انتبهوا بدقة : عندما يتحرر العراق ستتعاون الصين مع العراق القوي وتخفض علاقتها مع اسرائيل الشرقية الى مستوى متدن وتنكشف اخطر عيوب اسرائيل الشرقية وهو عيب انها عاجزة عن القتال داخل حدودها وبابناءها، والعراق القوي المتحرر لن ينتظر طويلا بل سينقل المعركة فورا الى داخلها ويجبرها على القتال داخل حدودها وبابناءها وبمالها وليس بابناء العرب وبمال العراق ،وعندها سترون ان خامنئي سوف يقبل يد العراق ، وعند ذاك سنرى ترامب وغيره يضطر لمغازلة العراق المحرر بعد تجريد الغرب الاستعماري والصهيونية من اخطر ادواتهما : اسرائيل الشرقية القوية.ونقولها بكل وضوح : من لايستوعب هذه الثوابت خصوصا السادس منها ويعمل وفقا لها الان وليس غدا سوف لن يجدوه في قبر لسبب بسيط هو ان جثته تكون قد تحللت نتيجة السحل.
Almukhtar44@gmail.com
٢٤ – ٩ – ٢٠١٩
الثلاثاء ٢٤ محرم ١٤٤١ هـ ۞۞۞ الموافق ٢٤ / أيلول / ٢٠١٩ م