الانتخابات الرئاسية في تونس: ومضات سوداء
شبكة البصرة
أنيس الهمامي – تونس
تعيش تونس هذه الأيام على وقع الانتخابات الرئاسية السابقة لآوانها بعد وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي في 25-07-2019.
ورغم أن منصب رئاسة الجمهورية في تونس في الدستور التونسي لا يحمل تلك الأهمية الكبرى بالنظر إلى محدودية صلاحيات الرئيس، فإن سباقا حامي الوطيس وتنافسا محموما يغلب على الاستحقاق الانتخابي وهو الأمر الذي يثير الريبة لدى المتابعين الذين يطرحون سؤالا حارقا مضمونه التالي:
ما دام الرئيس محدود الصلاحيات، فلِمَ هذا الصراع من أجل الوصول لكرسي قرطاج؟
تقتضي الإجابة على هذا السؤال لفهم وجاهة طرحه من الأساس، لما تميزت به الاستعدادات للانتخابات من تسارع في الأحداث ومن تطورات لا نكاد نجد لها مثيلا في العالم في غير العراق المحتل. فلقد انطلق الكلام عن منصب الرئاسة في تونس في اللحظة الأولى لوفاة الرئيس السابق، وطفت للسطح أسماء لا يعرف عنها التونسيون الكثير، كما تم فتح الباب على مصراعيه وأمام من هب ودب للترشح للمنصب بتعلة أنه حق دستوري وأن القانون يسمح لكل تونسي بالتقدم لهذه المهمة، فتقاطرت الأسماء من كل حدب وصوب، حتى فوجئ التونسيون مثلا بأحد الذين التقطت صورته على هامش جنازة الرئيس الراحل وقيل إنه مثقف مهمل، يتقدم بعد موجة التعاطف الإعلامي سواء في الإعلام بشقيه الرسمي والخاص أو الإعلام البديل على منصات التواصل الاجتماعي بملف ترشيحه لرئاسة الدولة.
وفي هذه الأثناء، سٌجِن مرشح فأحدث سجنه جدلا كبير، ووصل الأمر إلى حد تصويره مضطهدا ومقموعا والحال أنه أحد رجال الأعمال والإعلام تحوم حوله شبهات فساد قوية ناهيك عن ارتباطاته الخارجية المشبوهة. وانقسمت بعض الأحزاب وحتى الائتلافات الحزبية بسبب عدم الاتفاق على مرشح واحد.
ومن المفارقات في هذه الانتخابات، أن أغلب من بقي في السباق هم أعضاء لحكومات ما بعد أحداث 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011، سواء كانوا وزراء أو رؤساء حكومة أو حتى رؤساء كالمرزوقي مثلا. والغريب في هذا، أن تونس عرفت في ظل هذه الحكومات أسوأ فتراتها وعانى شعبها فيها ويلات هي أقرب ما تكون لمعاناة الحقبة الاستعمارية، إذ وبعيدا عن المزايدات الشعاراتية الثورجية، ضاق المواطن التونسي ضرعا باستهتار المنظومة الحاكمة وبخياراتها الرأسمالية المتوحشة واختنق بسبب استهتارها به وبمصالحه وبانتظاراته.
ومن اللافت أيضا أن عددا مهما من بين المترشحين يحملون أكثر من جنسية، بل فيهم من يخجل بجنسيته التونسية أصلا، ومع ذلك لا يتورع ولا يستحي من الترشح لهذا الاستحقاق، كما يبقى الإشكال التشريعي حول هذه النقطة تحديدا مثارا للاستغراب ومدعاة للريبة.
ووسط كل هذا، يتم منع مترشحين دون غيرهم وبطرق خسيسة ولا أخلاقية، ولا يمكن القفز على المظلمة الكبرى التي تعرضت لها الدكتورة ليلى الهمامي باعتبارها أول امرأة تونسية قدمت ترشحها فعليا، وذلك بأن تم إحراق منزلها أسبوعا قبيل الموعد الفعلي لتقديم الترشحات، كما توفي والدها في ظروف غامضة في الفترة نفسها وهو ما أكدت عليه واعتبرته جزءا من الحرب التي تعرضت لها لاستبعادها من السباق.
هذا، ولقد صعق التونسيون بالرجل الذي ظل غامضا وكتوما وقليل الظهور الإعلامي طيلة شغله لمنصب وزير الدفاع لأيام قبل انطلاق الحملة الانتخابية، وهو الذي تم فرض اسمه والإسهاب في الترويج له من طرف الإعلام التونسي منذ اللحظة الأولى لوفاة الرئيس الراحل، والتسويق لكونه الرجل الأصلح لمنصب رئاسة الجمهورية. وفوجئ التونسيون بالمستوى الهزيل جدا للرجل، والذي يواجه صعوبات اتصالية جمة ومحيرة، جعلته أضحوكة التونسيين ومبعث سخريتهم في سوادهم الأعظم ولا ريب.
ومن المؤشرات المرعبة التي تقض مضجع التونسيين هو الاستغلال الفاحش لرئيس الحكومة يوسف الشاهد لأجهزة الدولة والتوظيف السافر للإدارة في حملته الانتخابية دون أن يقدر على ردعه أحد الأمر الذي يستحيل معه ضمان تكافئ الفرص بين المتنافسين وفق ما يضبطه القانون.
ومن مهازل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس، أن لا أحد من المرشحين يمتلك برنامجا حقيقيا يمكن أن يحمل ولو بوادر تغيير جزئي حتى مع محدودية الصلاحيات كما أسلفنا التأشير عليه، بل الغريب فعلا هو اشتراك كل المتنافسين في اعتمادهم على الحملات الدعائية والخطابات الإنشائية الجوفاء التي لا علاقة لها واقعا بانتظارات الجماهير في تونس.
إن كل ما تقدم، يفسر المزاج الشعبي في تونس والذي يميل لمقاطعة واسعة للانتخابات لأنه لا طائل منها ولا تنبع من رؤية حقيقية لانتشال الجماهير من الجحيم الذي أرداها فيه المترشحون أنفسهم للانتخابات.
صدى نبض العروبة
شبكة البصرة
الاثنين 10 محرم 1441 / 9 أيلول 2019
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط