من وراء خطة شيطنة صلاح الدين الايوبي؟
شبكة البصرة
صلاح المختار
تاريخنا العربي حافظ هويتنا، وهويتنا ميزة وجودنا في عالم لايبقى فيه الا من له هوية توفر له شروط الثبات وحماية ثقافته وحقه في الوجود الحر، ولهذا كانت اول خطوات الغزاة لكل امة هي البدء بتفتيت الهوية الوطنية وتقطيع الانتساب القومي بعد تحقيق الغزو العسكري او قبله، فالامة التي تفقد هويتها تصبح فسيفساء متناثرة تتلاعب بها الريح بكافة الوانها. لقد تبلورت قاعدة بداهة واضحة كان احتلال العراق قد شهدها وهي مطبقة بحذافيرها وهي: انك اذا اردت الحاق الهزيمة باي شعب يقاومك فتت هويته الوطنية اولا لدرجة محوها ثانيا، وليكن نبش تاريخها وحرق رموزها الوطنية والدينية والقومية اول ما تحرق فشعب بلا ذاكرة تاريخية لايعرف مفاخره ولا رموزه فتسهل عملية احتواء الملايين منه! وعندما ندافع عن رموزنا التاريخية فلانها اولا وقبل كل شيء رموزنا القومية، وبما ان هويتنا القومية العربية روحها الاسلام فان الترابط في دفاعنا بين حماية الهوية القومية العربية وبين حماية رموزها المتنوعة دينيا وثقافيا هو واجبنا القومي حصرا وبعيدا عن اي مفاهيم دينية اخرى. فما الذي يجري في هذا المجال؟
منذ استكلبت اسرائيل الشرقية ونغولها العرب بعد غزو العراق اخذنا نسمع اصواتا نشازا ترتفع هنا وهناك تحاول شيطنة ابن العراق البار والقائد التاريخي العظيم والذي اعترف الغرب بعبقريته وعمق انسانيته وهو صلاح الدين الايوبي بنشر قصص اغلبها ملفقة او محرفة عنه وكان ذلك مؤشرا لا يخطأ لبدء استيقاظ المناجذ النائمة (جمع خلد) ودفعها لممارسة دورها المخابراتي المرسوم مسبقا، وكان من بين اول من قرات له الممثل السوري عباس النوري وهو من نغول بشار اسد الذي قال (أن صلاح الدين كذبة كبيرة). وسبقه الكاتب لمصري يوسف زيدان حين وصف صلاح الدين بأنه (أحقر شخصية في التاريخ) فعلق وزير الحرب الاسرائيلي وقتها ليبرمان على مواقفه قائلا (انا سعيد بما يقول يوسف زيدان)، وهو تحديد صهيوني رسمي لهوية يوسف زيدان، ثم قرأت لشخص اسمه الطاهر الهاشمي “…ما الذي أعطى صلاح الدين هذه القدسية والخصوصية التي لم ينلها حتى بعض الصحابة… حتى تخال نفسك أمام أنور سادات آخر؟ الجواب يجده المرء بسهولة في صورة أخرى عشناها منذ سنوات قريبة فصدام تحول إلى سيد شهداء العصر لأنه ببساطة كما قال السيوطي عن صلاح الدين: نصر السنة وأهان المبتدعة وأنتقم من الروافض”.
والطاهر هذا كشف الدوافع بلا تردد عندما ربط بين صلاح الدين وصدام فتسلط الضوء الكافي على دوافعه وهي ان من بين اعظم الانجازات التاريخية لصلاح وصدام انهما الحقا الهزيمة بمخططات نغول الفرس خصوصا بذلك الجزء من الفاطميين الذي تعاون مع الفرنجة ضد الدولة العربية الاسلامية فهزمه وانهى شروره كما انهى صدام شرور خميني باجباره على تجرع سم الهزيمة، وتهمة الطائفية لصلاح وصدام ما هي الا فرية تدحضها الوقائع الموثقة فصلاح وصدام دعما كافة الاديان والطوائف وفي عهدهما مارس كل مؤمن ما يؤمن به بشرط عدم تسخيره لخدمة اهداف سياسية تهدم الوحدة الشعبية.
ان تلك المحاولات تفرض فرضا التذكير بأعمال صلاح الدين وعظمته وانسانيته في نقاط تجدون تفاصيلها في اداة البحث غوغل بوضع اسمه فيه، وفيما يلي بعضا من الحقائق الثابتة عنه: كان صلاح الدين قائد عسكري في تحت قيادة عمه شيركوه، دخل مصر الفاطمية مع عمه تلبية لاستنجاد حاكمها العاضد لدين الله لنصرته على الوزير المنافس ضرغام الذي استنجد بدوره بالصليبيين، وكانت الاوضاع بائسة يسودها التأمر والانقسامات والطائفية وهي عوامل تمنع ايقاف الزحف الصليبي الاوربي،انتصر شيركوه وصلاح الدين على ضرغام ومن معه، فاختاره العاضد آخر الخلفاء الفاطميين للوزارة وقيادة الجيش، ولقبه بالملك الناصر، لأنه نجح في صد الصليبيين. والسؤال المنطقي هو: لو كان صلاح الدين يكره الشيعة كما يدعي الجواسيس، فهل كان قائد الدولة الفاطمية (الشيعي) يعينه قائدا للجيش وهو اخطر المناصب ويمنحه لقب الملك الناصر وهو اعلى الالقاب؟
(تسلم صلاح الدين الحكم بعد وفاة الخليفة الفاطمي واعلن ولاءه للخليفة العباسي وانتهى حكم الفاطميين سنة (1171م/567هـ). وقضى صلاح الدين على الانقسامات الطائفية في مصر اولا وكانت تلك اهم اهدافه التي كانت تعيق اي محاولة لمواجهة تغلغل الصليبيين، فأضحت دولته أعظم الدول الإسلامية في الشرق، واستطاع بعد ستة عشر عامًا من العمل المتواصل استكمال مسيرة الجهاد الإسلامي والانتصار على الصليبيين في معركة حطين (1187م/583هـ) واسترداد بيت المقدس. وأظهر العفو والتسامح مع أهلها فقد ترك صلاح الدين الصليبيون يغادرون المدينة بعد دفع فدية معتدلة بل إنه افتدى من ماله الخاص عناصر من أعدائه ممَنْ لم يتمكنوا من دفع الفدية). و(يذكر أن صلاح الدين لم يحاول هدم الكنائس بل تركها، كما سمح أيضًا لليهود بالعودة إلى المدينة المقدسة بعد أن طردهم الصليبيون منها).وهذا يؤكد ان صلاح الدين لم يكن معاديا للفاطميين لاسباب طائفية بل لاسباب سياسية صرفة.
كانت الخلافة العباسية في أضعف حال كما هو حالنا اليوم، وفي الشام ممالك وإمارات صغيرة يقودها ملوك وأمراء فاسدون، (ففي حلب مملكة وكذلك في حماة وحمص ودمشق وبعلبك وشيزر ونوى وماردين والموصل وغيرها، وكذلك اليمن والحجاز، إمارات وممالك مستقلة ومتناحرة فيما بينها ولا تتورع من طلب النجدة من الصليبيين في حروبها البينية)، و(الصليبيون استولوا على الساحل الشامي من انطاكيا إلى عكا بالإضافة إلى فلسطين وبيت المقدس وأقاموا هناك امارات قوية مدعومة من ملوك أوروبا وجيوشها).
بسط صلاح الدين سيطرته على تلك الممالك المتناحرة ووحدها مع مصر تحت ظل سلطانه ثم انتقل إلى اليمن والحجاز ليضمهما إلى دولته الوليدة. وهكذا اقام صلاح الدين دولة عربية واحدة وهو ما ارعب الروم والفرس في ان واحد تمام مثلما ارعبهم عبدالناصر بتحقيقه وحدة مصر وسوريا وارعبهم صدام بنهوض العراق وتطلعه القومي الوحدوي، واسس صلاح الدين معامل تصنيع السلاح اللازم لخوض المعركة فصنع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، مثلما فعل عبدالناصر وصدام بعده وكانا سائرين على خطاه، (وما هي إلا سنوات عشر حتى كان على أتمّ الاستعداد للمواجهة مع الصليبيين ومن خلفهم أوروبا بكاملها. خاض أكثر من 70 معركة في 19 عاما من حياته كأمير للدولة الأيوبية، وهو إنجاز عظيم لا يستطيعه الا قائد عظيم).
صلاح الدين يكفيه فخرا ويكفينا اعتزازا به انه طهر الارض العربية من النفوذ الفارسي والصليبي في ان واحد ثم حقق حلم العرب الاقدس: الوحدة العربية فوحد اقطارا وممالك كانت متناحرة ويستحيل توحيدها، وهو حال جعل الصليبيون والفرس يجتازون الحدود ويهيمنون على القرار السياسي، كما هو حالنا اليوم، انتصارات صلاح الدين كانت مبعث احقاد مضافة عليه من قبل من الحق الهزيمة بمخططاتهم، فتهدمت القلاع الطائفية الفاطمية والصليبية بتمسكه باسلام بلا طوائف، وبتعبيره عن طموحات ملايين العرب لقى دعما شعبيا كاسحا في مصر والوطن العربي كله، كما حصل لناصر وصدام.
وعن انسانية صلاح الدين وسلميته وخلقه الرفيع دون التاريخ في وثيقة نصائح قدمها لأحد أبنائه يقول له: “إياك وسفك الدماء فإن الدم لا ينام”، وهذا دليل واضح على أننا أمام شخص رحيم ومتحضر في عصر يوصف بالدموية وكان الفاطميون الاشد قسوة في التعامل مع خصومهم وفيما بينهم تماما كما نرى اسرائيل الشرقية تتعامل مع العرب في وطنهم. وخير الشهادات ما قاله الاعداء: يقول عنه المستشرق البريطاني ستانلي لين بول: “لقد أجمع الناس على أن صلاح الدين كان نادر المثال في أخلاقه، فهو -بلا شك- طاهر النفس، شجاع، رقيق الطبع، لين الجانب، رحيم الفؤاد، زاهد في الدنيا، مجاهد، ليس فيه كبر، بل فيه بساطة وورع”. وهذا ما جعل تشرشل يقول عنه إنه “من أعظم ملوك الدنيا”، ودفع الكاتب الإنجليزي ريد رهجارد القول بأنه “أعظم رجل على وجه الأرض”. قال عنه أشد خصومه ريتشارد قلب الأسد: “أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالم الإسلامي”، ولكن من جانب اخر ظهرت احقاد اخرين في اوربا عليه ومنهم الجنرال الفرنسي غورو حين دخل محتلا دمشق ووقف على قبر صلاح الدين وركله بقدمه قائلا: “ها قد عدنا يا صلاح الدين”. وهو ما فعله نغول الفرس بقيادة قاسم سليماني عندما احتلوا دمشق وهدموا قبر القائد التاريحي القومي خالد بن الوليد.
في ضوء ما تقدم نطرح السؤال التالي: هل يمكن لاي شريف ووطني عربي شيطنة صلاح الدين بتلفيق الاكاذيب حوله او ترويجها ام ان ذلك واجب الجواسيس والمضللين حصرا؟ دعونا نناقش الامر:
1- ان من يواجه تحديات حالية وصلت الى حد الغزو وتهجير الملايين وقتل الملايين ونشر الكوارث المتنوعة لايبقى له وقت ولا طاقة كي يتورط بنبش القبور لضمان عدم الفناء وينصرف لمقاومة الغزو فقط، دلوني على شعب تعرض لتحديات وجودية لكنه بدلا من مواجهتها يذهب الى المقابر وينبش القبور ويتلذذ بسحل الجثث او ببقاياها كما نرى ذلك الان في العراق وسوريا واليمن!
2- من هو الجاسوس؟ هل هو من يقف معك اليوم ويكتسب منك ومن غيرك شهادة بانه وطني كي يستخدمها غدا لجر الناس جرا رغما عنهم لنبش القبور وهو ما يؤجج روح الانتقام لان للقبور حرمات؟ هكذا تبدأ لعبة الجواسيس الذين نوّموا طويلا فاوّقظوا الان لاجل نبش القبور لتجريد العرب من رموز هويتهم.
3- والحقيقة البارزة هنا هي ان صلاح الدين لم يقضي على الدولة الفاطمية لانها كانت تنتمي لطائفة معينة كما تروج قصص اسرائيل الشرقية ونغولها العرب الان ومنهم من كتب المقالات او روجها، فهو كان الرجل الثاني في الدولة الفاطمية وموضع ثقة خليفتها ولا تنسوا ذلك ابدا لاهميته، بل لانها كانت تمنعه من تحرير الشام كلها من غزو الصليبيين ودحرهم، فهل ترون التطابق بين ما واجهه صلاح الدين وما نواجهه منذ نصبت الصهيونية الغربية خميني حاكما على اسرائيل الشرقية ليقوم بدور مشابه لدور الفاطميين وهو اشغال العرب عن فلسطين من خلال اجبارهم على الانكفاء على اقطارهم دفاعا عنها لانها تتعرض لتهديدات الغزو الايراني تحت شعار (نشر الثورة الاسلامية). هل يتكرر التاريخ ام انه يتشابه؟
4- لمعرفة دوافع صلاح الدين للقضاء على الفاطميين تخيلوا الان لو ان اسرائيل الشرقية بقيت تحت قيادة الشاه التي تفاهمت مع العراق على حل المشاكل سلميا، هل كانت المنطقة ستواجه التحديات الايرانية الوجودية والمميتة التي فاقت التحديات الصهيونية والاستعمارية بخطورتها؟ يقينا ان المنطقة كانت ستشهد اكمال العراق لنهضته حسب التخطيط الاصلي خصوصا علميا وتكنولوجيا واجتماعيا ويترتب على ذلك ان يد العراق ستمتد لكافة العرب لترتفع بتضامنهم لتحقيق التحرر من التخلف والانقسامات، وهو وضع يجعلنا قادرين على انهاء كافة التحديات الوجودية الاخرى بما فيها التحدي الصهيوني، وهذه الحقيقة عرفها الغرب وعرفتها الصهيونية بدقة وكان خيار بريجنسكي مستشار الامن القومي الامريكي في عهد كارتر تنصيب رجال الدين حكاما في اسرائيل الشرقية ودعم الاسلامويين السنة لضرب نهضة العرب القومية ولمنع صلاح الدين (المعاصر) من اكمال مهمته التاريخية كما حصل مع صدام وقبله ناصر.
شيطنة صلاح الدين، اذا، هدفها محو الذاكرة الوطنية والتاريخية وتجريدها من خزينها العظيم المطلوب للنضال ضد الغزاة بكافة اشكالهم. وكما ان صلاح الدين لم ينجح في دحر الصليبيين الا بالقضاء على التشرذم الفاطمي اولا فاننا الان لن ننجح في دحر الغزوات الامريكية والصهيونية الا بدحر اداتهم الاخطر وهي اسرائيل الشرقية. واذا اردتم تفسيرا لكره الفرس ونغولهم العرب لاي شخصية او جماعة ابحثوا عما انجزته في التاريخ لصالح العرب والانسانية. تذكروا ان الغرب الاوربي لم يتقدم الا بالعقلانية التي جعلته يحترم مبدعيه ففي المانيا والنمسا تجد ساحات باسم كارل ماركس وفردريك انجلز وهما من ابرز خصوم الرأسمالية وهي نظام امم اوربا.
هل تأكدتم ان من يهاجم صلاح الدين واحد من اثنين: اما جاسوس او متخلف؟
Almukhtar44@gmail.com
1-9-2019
شبكة البصرة
الاحد 2 محرم 1441 / 1 آب 2019
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط