الوجود الفلسطيني وسلة الحقوق المدنية الأساسية
شبكة البصرة
المحامي حسن بيان
على مدى الأسابيع المنصرمة، انشغل الشارع وخاصة الفلسطيني منه، بقرار وزير العمل حول الالتزام بالشروط المفروضة لإجازات العمل للأجانب. وقبل ذلك بقليل أثيرت مسألة العمالة السورية التي سرعان ما “بردت” بعدما تبين للمتعاطين بشأنها أن النزوح السوري في لبنان يرتبط بما ستؤل إليه مسارات الأزمة في سوريا والحل الذي يجري طبخه على “المواقد” الدولية والإقليمية. وبالتالي تراجع الحديث عن العمالة السورية لتتقدم مسألة العمالة الفلسطينية ووجوب إخضاعها للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
بطبيعة الحال، من حق الدولة أن تضبط كافة الأنشطة والأعمال على أرضها وفق أحكام القوانين النافذة وحتى لا تعم الفوضى وتسود شريعة الغاب.وهذا حق للدولة وواجب عليها. وإذا لم تفرض تطبيق القانون فإنها إدارتها المختصة تتعرض للمساءلة والمحاسبة أمام المؤسسات ذات الصلاحية.
لكن كما لكل قاعدة استثناء، فإن قاعدة اعتماد وحدة المعايير في تطبيق الأحكام القانونية، لها استثناء، وهذا الاستثناء ينظم بقانون أو بمرسوم تطبيقي انطلاقاً من خصوصية الحالة التي يشملها الاستثناء ولكن دون المس بالنظام العام. والحالة الاستثنائية التي لا تنطبق عليها الأحكام القانونية لجهة تنظيم العمالة لغير اللبنانيين، أجانب كانوا أم عرباً هي حالة الوجود الفلسطيني.
مما لاشك فيه، أن العمالة في لبنان منظمة بقانون هو قانون العمل،والتقديمات المرتبطة بالعمل ينظمها قانون الضمان الاجتماعي. وقد حدد القانونان الشروط الواجب توفرها للعمالة اللبنانية والتقديمات ذات الصلة كما للعمالة غير اللبنانية، وإذا ما حصل خلل في التطبيق والتنفيذ،فالقانون لخط كيفية المعالجة بدءاً من تسوية الأوضاع وانتهاء بالإيقاف.
أما خصوصية الحالة الفلسطينية بما يتعلق بالعمالة، فمرتبطة بالحالة الأعم وهي حالة الوجود الفلسطيني في لبنان.
هذا الوجود الذي تعود بداياته لأكثر من 71 عاماً، يختلف عن أي وجود آخر، وطبيعته سياسية ببعد قومي وهذا الوجود الذي يجري التعبير عنه تحت عنوان اللجوء يخضع لثلاثة ضوابط انظمة بثلاثة مستويات/الضابط الداخلي الوطني الذي تحكمه القوانين الوطنية المرعية الإجراء حيثما كان اللجوء الفلسطيني قائماً في أي من الساحات العربية، والضابط القومي الذي حددت اطره جامعة الدول العربية، والضابط الدولي الذي حددت إجراءاته هيئة الأمم المتحدة وعبر هيئاتها المختصة ذات الصلة.
وعليه فإن التعامل مع الوجود الفلسطيني بما هو لجوء لا تنطبق عليه أحكام اللجوء السياسي أو اللجوء الإنساني أو الهجرة لأسباب أخرى لانه لجوء وطني فلسيطيني وبالتالي لا تستقيم أموره إلا إذا نسقت الإجراءات التي ترعى وجوده وخاصة الإنساني منها بين المرجعيات الثلاث الوطنية والعربية والدولية. وعليه فإن أي خلل في تطبيق واحدة منها يحدث خللاً ينعكس توتراً في البيئة الاجتماعية الخاصة وفي العلاقة مع الدولة التي تتواجد البيئة الشعبية الفلسطينية في نطاقها. وإذا كانت الدول العربية قد تقيدت بقرار جامعة الدول العربية بعدم منح جنسية دول اللجوء إلى الفلسطينيين الذين نزحوااليها انطلاقاً من مبدأ رفض التوطين فلكي يبقى حق العودة قائماً، باعتبار أن الخروج الفلسطيني لم يكن خروجاً طوعياً، بل كان نتيجة اغتصاب ألارض و تنفيذ عملية “ترانسفير” غير مسبوقة في التاريخ الحديث. واذا كان افراد من الفلسطينيين اكتسبوا جنسية دول تواجدوا فيها فإنما كانت حالات خاصة وليست حالات جمعية وبالتالي بقي الوجود الفلسطيني محافظاً على هويته الوطنية.
وأما بالنسبة للدائرة الدولية، فإن الأمم المتحدة تولت الجانب الخدمي بالطبابة والتعليم والتي كانت تشرف عليه وتديره برنامجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
ولذلك فإن الفلسطيني الذي أخذ صفة اللجوء في الدول العربية كان يحوز على بطاقة لاجئ وهي بمثابة بطاقة هوية شخصية، وأما بالنسبة لوثائق السفر، فإن لبنان منح الفلسطيني وثيقة سفر خاصةاستناداً الى خصوصية الحالة الفلسطينية كما جرت الاشارة اليه.
من هنا، فإن الفلسطينيين في لبنان، ليسوا كالآخرين من غير اللبنانيين الذين يقيمون على الأرض اللبنانية، فإقامتهم وأن كانت مؤقتة إلا أنها ليست مرتبطة بمدى زمني محدد وهي مرتبطة بحقهم الوطني بالعودة إلى أرضهم المغتصبة.
وهذه الإقامة المؤقتة لا تنطبق عليها الشروط المفروض قانوناً للحصول على الإقامة والتي تبقى خاضعة للشروط التي تحددها السلطة المختصة في الدولة الوطنية.
وطالما هم كذلك، فإن الفلسطينيين الذين لا يمكنهم اكتساب الجنسية اللبنانية لأسباب قومية وسياسية، لا يمكن حرمانهم من حقوقهم المدنية الإنسانية وأولها حق العمل.
وحق العمل الذي هو من الحقوق المدنيةالأساسية للإنسان انما يشمل نطاقه الممارسة في المهن المنظمة بقانون،والمهن العادية في القطاعات الخدمية والإنتاجية. ومن خلال استعراض واقع العمالة الفلسطينية، فإنه يمنع على الفلسطيني ممارسة أي من المهن المنظمة بقانون كالمحاماة والطب والهندسة والصيدلة وغيرها. وهذا يعني حرمان الفلسطيني المتواجد في لبنان اختيار أي من هذه الاختصاصات وإذا ما اختارها، فإنه لا يستطيع العمل في السوق اللبنانية وهذا ما يضطره للبحث عن فرص عمل خارج لبنان أو لدى القطاع الخاص اللبناني.
أما الضجة التي أثيرت حول منافسة اليد العاملة غير اللبنانية للعامل اللبناني والتي بدأت بخطاب شعبوي ضد النزوح السوري ما لبث أن تحول إلى العمالة الفلسطينية تحت يافطة الحصول على إجازات عمل مسبقة علماً أن القطاعات الأساسية التي تستقطب اليد العاملة الفلسطينية هي قطاعات البناء والزراعة، وهي قطاعات يغلب عليها الطابع الموسمي ولا يحتاج العامل بها لإجازة عمل مسبقة، وفي مطلق الحالات فإن العمالة اللبنانية لا تستطيع سد حاجة هذه القطاعات وبالتالي فإن الإدعاء بأن هناك منافسة عمالة فلسطينية غير مشرعةلليد العاملة اللبنانية، هو إدعاء غير صحيح ولا يطابق واقع الحال.من هنا
فإن كل الذي أثير حول طبيعة العمالة الفلسطينية وفي هذا الوقت بالذات ليس بريئاً على الإطلاق وليس هو صاعقة في سماء صافية. ففي وقت يمر فيه لبنان بأزمة سياسية حادة، فالمقاربة السياسية الموضوعية تقتضي تجنب اية اشكالية يطل من خلالها على واقع اجتماعي وإنساني وسياسي، يعرف المعنيون أن رسم الحلول له لا تتم بمقاربته بهذه الطريقة التي أقدم عليها وزير العمل.
ولو سلمنا جدلاً “بحسن نوايا الوزير” ورغبة بتطبيق أحكام القوانين على قاعدة وحدةالمعايير، فهل يمكن فصل الإجراءات التي تفرض قيوداً قانونية على العمالة الفلسطينية في وقت تتراجع فيه خدمات هيئات الأمم المتحدة عن تقديم الموجبات المترتبة عليها وخاصة بعدما أوقفت أميركا مساهمتها في الأونروا؟، وهل يمكن فصل هذه الإجراءات الضاغطة على العمالة الفلسطينية في اوقات تطرح فيها مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وإسقاط حق العودة والتوطين كما تنص عليه بعض بنود صفقة القرن؟
إن وزير العمل أخطأ في التوقيت وفي المقاربة الموضوعية للاعتبارات التالية -1إنه لا يمكن تطبيق المبدأ القانوني الذي ينص على المعاملة بالمثل بالنسبة للفلسطيني المقيم في لبنان، إذ أن الفلسطيني في ظل مركزه القانوني الحالي لا دولة له تطبق أحكامها الوطنية على مواطنيها والمقيمين على أرضها، وبالتالي هناك استحالة قانونية وواقعية لتطبيق هذا المبدأ.
2- كان على وزارة العمل لأجل إراحة الوضع وعدم دفعه إلى حافة الانفجار من زاوية التقديمات الخدمية والاجتماعية وفرص العمل أن يمنح المقيم الفلسطيني في لبنان حق الاستفادة من فرعي المرض والأمومة أسوة باستفادته من طوارئ العمل وتعويض نهاية الخدمة وذلك بتعديل القانون ١٢٨/٢٠١٠، وفي مطلق الحالات كان يجب الولوج إلى معالجة هذا الملف من مدخل الحوار بين الدولة اللبنانية والاطارات والهيئات التمثيلية الشرعية للفلسطينيين لوضع مذكرة تفاهم تشرع بقانون او بمرسوم تنظم العمالة الفلسطينية تراعي معطى الوضع اللبناني العام، ومعطى الوضع الفلسطيني الخاص، استناداً إلى استثنائية الحالة الفلسطينية في لبنان ولتوفير شبكة امان اجتماعي حياتي. 3-كان يجب على وزير
العمل المبادرة لتعديل مذكرةوزيرالعمل الاسبق في 6/6/2005 التي سمحت للفلسطينيين المولودين في لبنان والمسجلين بشكل رسمي في سجلات الداخلية العمل في المهن المختلفة، لكنها لم تكن شاملة لأنها استثنت المهن الحرة والتي تنظم بقانون وكان بالامكان إيجاد صيغة مرنةلتنظيم العمل في هذه المهن،كما كان يفترض تعديل القرار 189/1984 والذي قضى بمنع الفلسطيني من ممارسة أكثر من 60 مهنة،
وحتى لا يتم وضع الإجراءات الضاغطة على الوجود الفلسطيني في سياق انتزاع تنازلات أساسية من زاوية تطبيق شروط العمالة استجابة للضغط الدولي وخاصة الاميركي منه على شعب فلسطين لدفعه مجدداً إلى طرق باب لجوء جديد إلى بلاد الشتات وإقفال طريق حق العودة. على هذا الاساس فإن من مصلحة لبنان كما الوجود الفلسطيني انما يكون باراحة الوضع الفلسطيني عبر رفع الكابوس الاجتماعي والخدماتي عن كاهل الفلسطينيين من اجل تعزيز صمودهم السياسي والتمسك بحق العودة كحق طبيعي لا يمكن التنازل عنه.
من هنا فإنه بإمكان السلطة اللبنانية، أن تضع تشريعاً خاصاً لتنظيم العمالة الفلسطينية وتفتح سجلات خاصة للشركات الفلسطينية العاملة في لبنان وتتحقق من الشروط المطلوبة للحصول على إجازات العمل وعلى قاعدة ان تتعامل الدولة اللبنانية مع الوجود الفلسطيني باعتباره وجوداً مؤقتاً لكنه غير مقيد بزمن، وهذا ما يملي الانفتاح على مطالبة الاجتماعية والمعيشية المشروعة انفتاحاً إيجابياً وحتى لا تتحول المخيمات إلى قنابل موقوتة تنفجر تحت ضغط الأزمة الاجتماعية – الاقتصادية والمعيشية، ويكفيها ضغط الوضع الأمني،خاصة وأن لبنان لن يكون أبداً بمنأى عن التداعيات السلبية لهذا الانفجار.اذاكان
حق للدولة اللبنانية أن تطبق قوانينها، فإن للفلسطينيين حق الاستفادة من سلة الحقوق المدنية الاساسية ومنها حق العمل وطبعاًضمن ضوابط القانون الذي يتعامل مع الوجود الفلسطيني كحالة استثنائية تفرض تشريعاً استثنائياً. وفي هذا مصلحة للبنان ومصلحة للوجود الفلسطيني اللذين يجمعهما الهم القومي الواحد في وقت تتعرض القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي ومن ضمنه أمن لبنان الوطني لتحدٍ خطير خرج من كواليس التخطيط وبات ينفذ على الأرض.
شبكة البصرة
الاحد 17 ذو الحجة 1440 / 18 آب 2019
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط