أصالة العرب |
شبكة البصرة |
قاسم صالح جبل |
تخبرنا الكتب السماوية بان الله خلق البشرية من رجل وأمرأه هما ادم وحواء. وقد آمنا بذلك ايماننا بالله الذي ماأشهدنا خلق انفسنا. ويأتي العلم اليوم ليدعم هذا ألايمان ويقول لنا كيف وأين.
من علم الوراثه تعلمنا ان الطفرات الجينيه تحتاج الى آلاف السنين لكي تتثبتت في الكروموسوم كعلامات جينية تورث الى ألأجيال الناتجه من صلبها. في افريقيا اكتشف علماء ألوراثه كماً هائلا من علامات ألكروموسومات لم يتوفر مثيله في أي بقعة أخرى على وجه ألأرض، فاستنتجوا من ذلك أن ألانسان تواجد هنا قبل أي مكان آخر وانه من هنا خرج فيما بعد ليستعمرالعالم. وقد عزز ذلك علم ألآثار الذي وجد في وسط افريقيا وشرقها أقدم مخلفات للأنسان العاقل (يعود تاريخها الى مايقرب من 200 ألف سنه). وباكتشاف علامات وراثيه متطابق في مناطق وعدم اكتشافها في غيرها أمكن للعلماء وضع خريطة لهجرة ألانسان من أفريقيا وألطرق التي سار عليها. وذكرهؤلاء العلماء ان ذلك ألأنسان الذي غادر أفريقيا الى العالم كان في حينها يحمل علامة جينيه وراثيه اعطوها الرقم M168، وان هذه العلامة اكتشفت فيما بعد في شمال المنطقة العربيه وفي جنوبها مما دلل على انهم جاْوا من جذر افريقي واحد. ولكنهم بمرورالوقت كونوا علامات مختلفه اضافية رسمت اتجاه الطرق للمسارالجغرافي الذي اتخذوه فيما بعد. وقد برهنت كل الأكتشافات والتنقيبات وعلوم تطور الانسان واللغه أن أصل البشريه يعود فعلا لرجل وأمرأة عاشوا في افريقيا قبل آلاف سحيقة وربما ملايين من السنين كما جاء في الكتب السماويه. والأبحاث في الفروع العلمية المختلفة التي تناولت كل من جانبها موضوع هجرة ألانسان من افريقيا ‘ تنسج مع بعضها البعض قصة شيقة تتعزز بتفاصيل نوعية كلما جاءت اكتشافات جديدة في جانب من جوانب العلم. تقول القصة بان الهجرة من أفريقيا الى الخارج جاءت على شكل دفعات لمجاميع صغيرة كلما اختمرت العوامل الدافعه في افريقيا وتهيأت لها الضروف المناخية الجاذبه في الخارج. من ينظرالى الخارطة يجد ان الأتصال الأرضي الوحيد لقارة افريقيا التي تحيطها المياه من جميع جوانبها يقودها الى المنطقه العربيه فقط. وهذا هو الطريق البري للهجرة. وقد اكتشفت العلماء في جبل الكرمل/فلسطين آثار تدلل على ان ألانسان العاقل عاش فعلا هنا قبل 95 ألف سنه. وحين نتمعـن بخارطة المنطقه العربيه نكتشف ان هذه المنطقه تبدا في شبه الجزيرة العربيه وتمتد بدون حاجز جغرافي نحو الشمال الى ان تقف عند سلاسل جبلية عاليه هي جبال طوروس جنوب تركيا وجبال زاكروس غرب أيران. وباتصال هاتان السلسلتان مع بعظهما يتشكل قوس جبلي عظيم يعزل المنطقة العربيه عما خارجها. من خلال ذلك تصبح المنطقه العربيه في عزلة تحيطها المياه والجبال من جميع جوانبها. الارتباط الوحيد الذي يبقى لها هو ألأرتباط مع شمال أفريقيا عن طريق البر ومع شرق أفريقيا (حيث تواجد ألأنسان العاقل) عن طريق مضيق باب المندب. فتصبح المنطقة العربية وكأنها شرفة تابعة للقارة ألافريقيه. ويذكر المؤرخون والجغرافيون ان المنطقة العربية تعرضت بفترات متكرره امتدت لأ لاف وربما ملايين السنين الى اعتدال في المناخ جعل ما نعرفه من مناطق صحراوية في هذه ألأيام قد تحول في تلك الى مناطق خضراء تتخللها آنهاربغزارة النيل وبحيرات تصل ابعاد ضفافها 30 × 50كم، تكسوها المراعي والغابات وتكثر فيها الثمار والحيوانات. هذه البيئة أتاحت للأنسان الذي كان صياد وجامع ثمار ظروفا جيدة للأقامه والتكاثر. ويأتي هذا ألاعتدال مترادفا مع حصول عصور جليديه كانت الثلوج تغطي بكثافة عالية منطقة القطبين وشمال الكرة ألارضية. ولأن الثلوج تتكون من الماء، لذا كان مستوى سطح البحار والمحيطات يهبط في الفترات الجليديه الى حدود قد تصل الى 125 م عن مستواه الحالي. بفعل هذا الهبوط تتحول منطقة الخليج العربي (عمقه بين 40 الى 100م) الى منخفض ارضي أخضر يشقاه دجله والفرات الى ان يصبا في البحر وتتقارب فيه ضفتا البحر ألأحمر بين الجزيرة العربية والساحل ألأفريقي من بعضهما حتى تصبحان في مضيق باب المندب الى حد كيلو متر واحد فقط، مما يسهل عملية أنتقال مجاميع صغيرة للأنسان العاقل من شرق افريقيا الى جنوب الجزيرة العربيه. وهذا هو طريق البحر الذي كان يربط افريقيا بالمنطقة العربية. كان المؤرخون والعلماء ألأروربيين ألذين يسعون لتجاهل العرب والجزيره العربية ـ لأسباب دينية وسياسيه تأريخية سآتي لذكرها لاحقا ـ يجزمون أن ألأنسان العاقل قد أتجه من شرق أفريقيا الى الشمال سالكا الممربين البحر ألأحمر والنيل ثم عبر جزيرة سيناء ليصل فلسطين (أسرائيل كما يسمونها) ومنها نحو الشمال مع ساحل البحر ألأبيض المتوسط باتجاه أوربا. ولكن أكتشاف آثار تدلل على ان الانسان ألأفريقي سجل حضورا في جبل فايا (في دولة ألأمارات العربيه/الشارقه) قبل ما يقرب من 125 ألف سنه، جعلهم يعترفون أن طريق باب المندب، وليس الطريق عبر سيناء، كان الطريق الرئيسي الذي استخدمه ألأنسان لمغادرة افريقيا. الحديث عن العصور الجليديه التي مرت على الكرة ألأرضيه طويل يمتد حسب تقدير العلماء الى 300 مليون سنه. منذ ذلك التاريخ تمرجحت ألارض بين فترات من الحرارة والبرودة سيطر البعض منها لملايين السنين. من العصور الجليدية ألأخيرة ما بلغ اوجه قبل 330 الف سنه وانتهى قبل 200ألف سنه. في ذلك الوقت بلغ سمك طبقة الجليد التي غطت شمال أوربا 1000م وفوق اسكندنافيا 2500م. قبل 135 الف سنه مر عصر جليدي آخر ثم جاءت بعده فترة من ألاعتدال المناخي استمرت 12ألف سنه. آخر فترة جليدية وقعت قبل مايقرب من 20 ألف سنه. ولنا ان نتصور: في كل فترة عندما كانت الثلوج تغطي اوربا، كان مضيق باب المندب يتقلص من 27كم الى ادنى مستوى له والصحاري في ألارض العربيه تتحول الى جنان. أما حين يعتدل المناخ في أوربا فان الحرارة ترتفع في المنطقه العربيه وتبدا بالتصحر التدريجي في وسطها، مما يدفع السكان في الوسط الى الهرب منها واللجوء اما الى أطرافها في الشمال او الجنوب فتتولد كثافات سكانية هناك مهدت لأقامة ألحضارات أو مغادرة المنطقه العربيه ككل بالعودة الى أفريقيا أو بترك المنطقه كلها بالهجرة عبر الجبال الى أيران وما خلفها من اصقاع في آسيا أوالى تركيا وما خلفها في أوربا. وبهذا اصبحت المنطقه العربيه وكأنها مضخه تسحب المجاميع ألأفريقية اليها في فترات خصوبتها وتدفع بهم الى انحاء العالم في أوقات الجدب. وحسب رأي الجغرافيين والمؤرخين فان ذلك قد تكرر اربع مرات، كان آخرها قبل 30 الف سنه. يقول علماء الجغرافية ان آخر فترة جليديه انتهت قبل عشرة آلاف سنه. ويعنى ذلك أن التصحر في وسط الجزيره العربيه قد بدأ في هذا ألتأريخ ايضا واستمرصعودا متواصلا حتى وصل الى مانحن عليه اليوم ما بين الربع الخالي وبوادي العراق وسوريا.
أهمية المنطقه “أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا” يعطي الدليل على قدسية ألارض العربية التي درج عليها أهم ألأنبياء والرسل. ففيها بدأ الله اذن رسالته بخلقه الذين مكن لهم المجيء من شرق أفريقيا وفيها أكمل الزمان دورته بسيد ألرسل محمد صلى الله عليه وسلم. فقد بدأت الرسالة بنا وانتهت معنا. ويقول العلماء ان انتشار ألانسان عندما غادر أفريقيا الى المنطقة العربيه ومنها الى العالم لم يكن هرولة وانما على مهل وبدون خطه. وجاء انتشاره على مراحل حيث كان ابتعاده عن منطقة آخر مستقر له في كل مرحلة لا يتجاوز بضع سنوات في كل جيل. ولهذا احتاج الى الفي جيل ليكمل انتشاره في العالم. فاذا حسبنا الجيل بثلاثين سنه يكون الأنسان قد احتاج الى 60 ألف سنة لهذه الرحلة. في منطقتنا العربيه تبلغ المسافه بين مضيق باب المندب عبر اليمن وعمان وصولا الى راس مسندم كخط سير محتمل للوصول حتى مضيق هرمز والتوجه نحو ايران ما لايقل عن 3100 كم. فأذا افترضنا أن ألانسان الذي توسع بدون خطة قد تقدم في كل جيل عشرة كيلو مترات وبأصرارعلى هذا الطريق فانه سيحتاج الى مالايقل عن 10 آلاف سنه لقطعها. هذا يعني انه بعد هجرة ألانسان من افريقيا عاش العالم بدءاَ فترة لآتقل عن عشرة آلاف سنة لم يكن بها انسان عاقل الا في افريقيا والمنطقة العربية. ومن منطلق ان ألأنسان عاش في المنطقه العربيه لألاف السنين قبل أن يغادرها، رأى علماء ألأثار من أمثال ألامريكي جيفري روس أن هذه المنطقه لعبت الدور الفصل في التاريخ ألأنساني كموقع تربوي ومضخه بشريه. فالمنطقة العربيه اذن ـكما يسنتج روس كانت هي “المهد الحضاري لتطور البشـريه”. وهذة ميزة عظيمة خص الله بها هذه البقعه والشعب الذي تربى ونشأ فيها. ويبدو من ذلك أن الله جعل بداية التكون البشري في أفريقيا حيث نموا وترعرعوا وتكاثروا. ثم وضع في خطته استخلاص مجاميع قليلة منهم دفعها الى هذا المكان المبارك فنتجت عن هذه المجاميع الصغيره بتكاثرها جيلا بعد جيل شعوب وقبائل كانت تتطبع بطبيعة هذه الأرض المباركة لتتكون منها الخميرة ألأنسانية التي هيمنت، بعد رحلتها الطويلة الى ان وصلت لمستقرها ألاخير، على ألأقدار في ألأرض.
هل ندعي ان العرب اذن هم أصل الشعوب؟ كلا، لسنا بحاجة لذلك! ان المكتشفات العلميه في ميادين ألانتروبولوجي والأركيولوجي والجيولوجي والتاريخ هي التي تقول ذلك. وقالته عنا دراسة مختبريه أنجزها علماء في الوراثه من جامعتي ليدز البريطانية وبورتو البرتغالية، بعد ان عاينوا وجود حامض نووي خاص للميتوكوندريا البشرية ـ موجود لدى ألأنثى ـ ظهر وجوده في مئات ألآفراد من شعوب مختلفه يطابق لما يحمله سكان الجزيرة العربيه. نُشرت نتائج دراستهم هذه في المجلة الأميركية لعلم الوراثة. وقد عبرعنها الصحفي فريدريك لوينو في الجريده الفرنسيه لوبوان نهاية عام 2011 في مقال وضع له العنوان: “تاريخ الإنسان: نحن جميعا عرب” جاء في مقالته: “اننا جميعا أيا كنا، فرنسيين أو أميركيين أو صينيين، من الأسكيمو أو من قبائل البابو (بأندونسيا)، ننحدر من أسلاف مشتركين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية”. وقدعلق أحد القراء على مقالة لوينو بالقول “للأسف العلم أحيانا يأتينا بما لا نحب….” وهذا المعلق يمثل عينة سيئة لم تكن قليلة ولافي يوم من ألايام، كما سنلاحظ.
التطور اللغوي عن طريق فحص 504 لغه محفوظه في البنك الدولي للغات توصل عالم الحضاره البشريه كوانتين اتكنسون الى أن كل لغات العالم تعود لأصل واحد كان موجود في وسط وجنوب افريقيا. وان من بين أكثر اللغات ألافريقيه غنىً بالمقاطع الصوتية (164 مقطع) كانت لغة رجال ألاحراش “خوي سان” الذي وصل انتشارهم في الماضي السحيق (كصيادين وجامعي ثمار) من وسط وجنوب أفريقيا الى اثيوبيا والصومال. ولأن لغات هنود جنوب امريكا وسكان ألجزر (وهي آخر أرض وصلها انتشار ألأنسان) احتوت على اقل المقاطع الصوتيه، فقد وضع اتكنسون نظرية مفادها ان المجموعه البشريه التي تتواسع تفقد من أطرافها غنىً لغوياَ بشكل مستمر. وهذا بالطبع يؤدي الى خسارة مستمرة للمقاطع الصوتيه كلما بعدت الشقه. هذه النظرية تتوافق ايضا بشكل كلي مع القول بان أصل البشريه كان في أفريقيا ومنها انتشر في العالم حتى وصل نهاية ألمطاف في أمريكا الجنوبيه والجزر. وبذلك حق لعلماء أاللغة من جانبهم القول ان كل لغات العالم (بحدود 6000 لغة) نابعة من جذر واحد هو لغة سكان ألأحراش الخوي سان في أفريقيا. وبين علماء الوراثه بأن منطقة وسط أفريقيا قد أشتملت علامات جينية كثيرة منها M91 وقد انتقل حملتها من تلك المنطقة الى جنوب أفريقيا. ومنها M6 وقد تبين لهم ان هذه المجموعه ارتحلت الى غرب أفريقيا. اما المجموعة البشرية التي حملت العلامه الجينيه M168 فقد وجد انها ارتحلت الى أثيوبيا ثم اتجهت شمالا الى السودان.
ويبدوا من خلال تتبع آثارها ان المجموعة البشريه M168 قد تكونت عنها: • مجموعة حملت العلامة الجينيه M130 ذهبت الى الجنوب العربي وقد تنقلت من هناك فيما بعد حتى وصلت الى استراليا. • مجموعة مهمه جدا تحمل العلامه الجينيه M89 ذهبت عن طريق سيناء حتى وصلت الى العراق ومنها توالدت مجاميع بالعلامات 170 الى رومانيا والمجر و69 الى شمال شرق الهند و 9M. وعن ألأخيرة تفرعت كل المجاميع الجينيه التي ظهرت عند سكان الهند والصين وروسيا. ومن هنا تولدت المجموعة الوراثيه (M45) التي تكون منها سكان غرب اوربا وامريكا وكازخستان وتركمانستان. من خلال الاستعراض السابق يقول لنا العلم ان (الخوي سان) هي المجموعة التي اصبحت فيما بعد اجداد الجنس البشري. وان المنطقة العربية قد استقبلت طرفيهم في الشمال والجنوب وفيها تكاثروا مكونين شعوبها قبل ان تغادر بعض مجاميعهم الى انحاء العالم ليسكنوا في مناطقه ويتآلفوا معها مكونين مجموعات وشعوب جديدة وبلغات جديدة. فالبشرية اذن باجمعها بكل شعوبها وقبائلها ولغاتها ولهجاتها تعود بداياتها الى المجموعتين التي استقرتا في شمال المنطقة العربيه وجنوبها ولما جلبوه معهم وطوروه وما حملوه ونثروه في أنحاء العالم. يمكن الجزم اذن ان الجزيرة العربية كما العالم أجمع كانت خالية من البشر قبل ان تنتقل اليها مجاميع الخوي سان ألذين جلبوا معهم لغة التخاطب بينهم. ولأنهم استقروا في الشمال والجنوب فقد اصبح لدينا مجموعتان من سكان الجزيرة العربيه تتكلم لغة الخوي سان في الشمال والجنوب. ولما كانت اللغة ـ حسب اتكينسون ـ تفقد من أطرافها عند ألانتشار بشكل مستمر، لذا فأن لغة الخوي سان الذين استتقروا في الجنوب ولغة الذين استقروا في الشمال لم تعودا متطابقتين بشكل كلي. ثم ان سكن المجموعتين في أرض واسعة الأطراف كما الحال في الجزيرة العربيه (2.7 مليون كم مربع) جعل التواصل اللغوي بينهما باديء ألأمر صعبا مما فسح المجال لتوسع هذا الأختلاف. ولكون اللغات بشكل عام يعتريها تحوير طبيعي من جيل الى جيل يتمثل في اكتساب خصائص جديدة وفقدان غيرها، فأن لغة خوي سان الشمال وخوسان الجنوب العربي لابد انهم تغيرتا عن بعضهما الى الشكل الذي جعلهما لغتان أو لهجتان مختلفتان ولكنهما شقيقتان من أم واحده. يقول عالم ألآشوريات البروفسورألألماني ديتز أيدزارد في كتابه “قصة بلاد مابين النهرين”: “ان اللغات تتعرض عبر آلاف السنين الى تغير كبير في شخصيتها. فمن قرن الى آخر تتبدل نسبة معينه من الكلمات بغيرها كما وتاخذ كلمات من غيرها وتعتبرها لها…. بل حتى تركيب القواعد للغه يمكن أن يتبدل بشكل كلي” من كل ذلك يتضح أن لغة الخوي سان بعد ان مرت عليها آلاف السنين في المنطقة العربية لما تبق نفس اللغة التى جاءت وانما تغيرت الى لغة لها شخصية أخرى وقواعد وكلمات جديدة. ولأن هذه الشخصية اللغوية الجديدة قد ارتبط وجودها في المنطقة العربية، لذا يحق للناظر لها من الخارج أن يعطيها اسما يعبرعن هذه المنطقة فيسميها: أللغة العربية. ولنا هنا ان نتوقع ان المجاميع التي غادرت الجزيرة العربيه بعد أكثر من عشرة آلاف سنه لتنتشر بالعالم قد أخذت معها هذه اللغه العربية التي نشأت في المنطقه الى مناطقها التي استقرت فيها. وأن هذه اللغة بعد مرت بنفس قوانين التطور اللغوي التي ذكرناها (فقدان وكسب وتحوير) قد أصبحت ولاشك لغة جديدة تسمى على اسم المنطقة التي استقرت فيها. وقد أحصي العلم تكون 6 آلاف لغة في العالم. ويحمل الكثير منها رواسب من اللغة العربية بقيت في هذه اللغات. وهذا مانلحظه في الآف الكلمات التي تعج بها هذه اللغات التي يعود اصلها الى العربية. ويقول المستشرق أنجلمان أن ربع الكلمات ألأسبانيه يعود لأصل عربي وهناك ثلاث ألاف كلمة عربيه في اللغة البرتغالية. ويذكر زميله تايلر أن هناك ما يزيد على ألف كلمة عربية في العديد من المجالات العلميه في اللغة الإنجليزية أما زميله الفرنسي لامانس فيحسب 700 كلمة عربية باللغة ألفرنسيه.
خصائص تكون اللغه في الجزيرة العربية المنطقة العربيه، كوعاء معزول جغرافيا عن الخارج، حمي سكانه من التأثيرات الخارجيه وجعل هؤلاء السكان على صلة متماسكة ببعضهم مما أدى الى الحفاظ على خصائصهم اللغوية المشتركة. وقد لاحظنا أن سكان المنطقة العربية قد بدأتا بمجموعتين أستقرتا في الشمال والجنوب، وعبر ألاف السنين تكاثرتا ولاريب وانتشرتا في عموم الأرض العربيه. يمكن لنا ان نتصور ان لغة الشمال وماتفرع منها تشكل في مابينها مجموعة يجمعها الكثير مع بعضها ولكن يختلف بشكل ما عن لغة الجنوب وماتفرع منها من لغات ولهجات. وعلى العموم يبقى هذا ألأختلاف في حدود تضيق وتتوسع بمقدار القرب والتواصل وهو أمر طبيعي في الجزيرة العربيه التي تحيطها العوائق من جميع الجهات مما يجعل اهلها يتقاربون بألأهتمامات ويشتركون في المصالح. ويبدو ان هذا ألأختلاف الذي نعبر عنه بهذا الشكل بقي ملازما لفترة طويلة وقد يكون اصبح في ذهن النحوي الحساس من الشدة بحيث يعبرعن شخصيتين لغويتين مختلفتين. ولربما كان هذا هو مادفع الإمام أبو عمرو بن العلاء البصري (68 ـ 154 للهجرة)، أحد القراء السبعة الى القول الشهير: ﻣﺎ ﻟﺴﺎﻥُ ﺣِﻤْﻴﺮ ﻭﺃﻗﺎﺻﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻟﺴﺎﻧﻨﺎ ﻭﻻ ﻋﺮﺑﻴﺘﻬﻢ ﻋﺮﺑﻴﺘﻨﺎ. وقولة ابو عمر حق ولو قال اهل اليمن ماعاكسها لما خالفوا الحق في شيء ايضا. فلعل كلا اللغتين قد تباينتا في ذهنه ولكن مع ذلك فأن لهما جذر واحد هو العربية التي نشأت عن الخوي سان. أن عامل التغير البيئي والتصحر الذي بدأ قبل عشرة آلاف سنة واستمرحتى يومنا هذا أدخل عاملا مؤثرا على التركيب السكاني واللغوي للمنطقة العربية. وقبل الدخول في التفاصيل نؤشر مقدما على ان التصحر الذي جرى يعطينا مثالا عن كيفية تصرف سكان المنطقة العربية تجاه تغيير بيئي من هذا النوع في ألآلاف السحيقه قبل العشرة آلاف سنه الأخيره حينما كان يحصل رخاء وجدب. فالجدب الذي حدث في منتصف المنطقة العربية قد جعل سكان هذه المنطقة ينقسمون على بعظهم. فقسم لجأ الى ألاطراف، اراض عمان واليمن في الجنوب، والعراق وسوريا، الاردن وساحل البحر ألابيض في الشمال وساحل الخليج العربي والبحر ألأحمر شرقا وغربا كما كانوا يفعلون دائما. أما القسم ألآخر فتكيف مع حالة الجدب التي حصلت في الوسط فتكون عنهم البدو الذي أصبحوا يجوبون الصحراء بين الشمال والجنوب والشرق والغرب ويتواصلون مع سكانها على أشكال مختلفة. والمجاميع البشريه التي هاجرت الى ألأطراف كانت تجد امامها كثافات سكانية انحدرت من حالات لجوء سابقة تعاقبت منذ آلاف السنين الى هذه المناطق، فاضافوا كثافة فوق كثافة، مما سهل لنشوء الحضارات ألأولى للبشر في الشمال والجنوب العربي. ولعل السومريون من هذه الشعوب التي نشأت في المنطقه وأحتفظ التأريخ بأسمها بسبب حضارتها التي نطقت بأسمها ولانزال نعتمد مفرداتها الى يومنا هذا وعلى مر الزمن. وحول التصحر وتأثيره يؤكد صموئيل كريمر ان اولى الهجرات التي خرجت من الجزيرة العربية الى بلاد الرافدين حدثت قبل سبعة الاف سنة قبل الميلاد. أي قبل تسعة آلاف سنه من ألآن. حاول كريمر ويحاول المؤرخون الغربيون أن يؤكدوا ان السومريين، اصحاب الحضارة ألأعظم في التاريخ، ليسوا من ابناء المنطقة العربيه. وفي ذلك نية لطمس الحضارة عن صانعيها. وتقول كتب التأريخ أن ألأكدييين هاجروا حوالي اربعة آلاف سنه قبل الميلاد وامتزجوا بالسومريين جنوب العراق. ولنا هنا وقفة لنقول أن كان السومريون قد سكنوا فعلا جنوب بلاد مابين النهرين قبل ألأكديين، فلاشك انهم رواسب هجرات سابقة من افريقيأ، جاءوا الى المنطقه واستقروا فيها وأصبحوا ابناءها منذ زمن سحيق قبل مجيء ألأكديين من شبه الجزيرة العربية. وهذا رأي يعززه راي علماء الوراثة الذين اكتشفوا كثافة عاليه من العلامات الجينيه في موطن السومريين (العراق). عن عالم ألآجناس أندرز أريكسون وفريقه من جامعة كمبردج نشرت صفحة شبيغل أون لاين بتاريخ 18.09.2012القول: “مما يثير العجب ان مفتاح المنطقة لم يكن في أبواب الخروج من أفريقيا، في موقع قناة السويس اليوم ومضيق باب المندب، وأنما بموقع أبعد من هذه المواقع، هناك حيث تقع العراق وايران اليوم”. وأتخاذ “مقطوعية اللغة” عذرا لأعتبار انهم جاءوا من خارج المنطقه يسقطه قانون تطور اللغة، ففي مقال علمي نشرته دي فيلت في 11.02. 2006 ذكر الكاتب: “يمكن للكلمات أن تتغير بسرعة تجعل تحديد العلاقات اللغوية بعد آلاف السنين غير ممكن”. ثم ومن أين يمكن ان يأتوا ان لم يكن هناك بشر على وجه ألأرض قبل المنطقة العربية؟ ولعدم العثورعلى أثر صراع بينهم وبين ألأكديين تقول النظريات الحديثة لعلماء الآثار العرب الذين درسوا نفس ألالواح الطينيه التي ادعى صامويل كريمروجود ذكر شعب سومر بها، انهم لم يجدوا ذكر لشعب سومر بها. فاستنتجوا من ذلك ان “شعبا” اسمه سومر كان من اختراع صامويل كريمر. وبذلك يكون ألأساس هو الشعب ألآكدي. والسومريون جزء منه. كانوا يشرفون على المعابد ويديرون اقتصادياته ووارداته وكانت علامتهم في شعرهم ألأسود وطريقة حلاقتهم له. ولعل ذلك أعطاهم مظهرا خاصا في الشكل مربوطا بنوع الوظيفه. فكان ألأكديون انفسهم من سماهم (سومرو) وهذا مطابق للمفردة العربية (أسمر وجمعها السمر). ومن المعروف ان أكتشاف الخط المسماري جاء لضبط واردات المعابد. وقد لا تكون لغتهم التي يقال عنها انها (لغة مقطوعه ليس لها علاقة بلغات العالم) أبعد من تكون اللغه الخاصة التي كانوا يرددون بها طقوس المعبد. وسواءا صح هذا ألرأي أو ماقبله فان السومريون كانوا عربا ولاشك وحضارتهم أول حضارة عربية في المنطقة. وما عملية جعلهم غرباء عن المنطقة الا محاولة من العلماء ألأوربيين لأبعادهم كقوم حضاريين عن جذرهم العربي، ساعدهم على ذلك انهم هم الذين نقبوا واستخرجوا وفسروا وكتبوا التأريخ وعدلوا ألأسماء كما يحلو لهم وعمموه في العالم. وحوالي عام 4500 ق. م. تركت قبائل أخرى الجزيرة العربية، تحت ضغط الظروف المعاشية وتكاثر السكان، متوجهين الى سواحل البحر ألأبيض المتوسط ليشيدو هناك ممالك لهم، أولئك هم الكنعانيون وقد سموا هناك بالفينيقيين. وقد توسعواعلى الساحل ألأفريقي من ليبيا حتى المغرب وجنوب اسبانيا. وكانت قرطاجنه احدى قلاعهم الحصينه في شمال افريقيا. ومن الجزيرة هاجرت بعدهم قبائل اخرى الى جنوب العراق فانتشروا هناك وبنوا مدنهم وعاصمتهم التي سموها بابل. أولئك هم ألأموريون. وكانت اولى الهجرات العربية الى مصر تلك التي تمت عبر سيناء حوالي 3500 ق م. وحوالي 3500 سنه ق. م. هاجر ألأراميون من شبه الجزيرة العربيه فاستقروا شمال الجزيرة العربيه جنوب سوريا بين ألأموريين في الشرق والكنعانين في الغرب. أوهم جميعا من اصل عربي. أما ألأسماء التي أطلقت عليهم فجاءت على اسماء ماشيدوه من عواصم أو ما عبدوه من آلهه. سُـمي ألأكديون هكذا حسب عاصمتهم اكد وألأموريون حسب عاصمته بابل (باب أيل أي باب الأله)، أما ألأشوريون فحسب ألأله آشورو وهكذا. فانخلقت بذلك مسميات جديدة لشعوب لم تكن في صلبها ألا قبائل وشعوب عربية. ولم تقتصرتلك ألآلاف من السنين قبل الميلاد على هجرة الاقوام من شبه الجزيره العربيه الى محيطها اومصر وانما حصل ايضا تنقل قبائل كثيرة شمال الجزيره (تسمى القبائل العدنانيه) من مواقع الى مواقع أخرى. فقبل ما يقرب من الفي سنه قبل الميلاد هاجرت قبيلة مضر الى نجد و بادية الشام واستقرت فيهما، وقبيلة ربيعة سكنت الحجاز وانحدرت منها قبيلة بني اسد. أما قبيلة كنانة فقد هاجرت الى نواحي مكة وانحدرت منها قبيلة قريش، وقبيلة تميم نزحت من موقعها الى بادية البصره و فيها كان استقرها. ولم تقتصر الهجرة على قبائل الشمال وانما تبعتها ايضا قبائل الجنوب (القبائل القحطانيه) ومنها جرهم التي هاجرت في زمن نبينا أسماعيل عليه السلام من اليمن لتستقر في مكه. وألآن لنعود الى اللغة ونسأل انفسنا: ماهي اللغة التي كانت تتكلمها القبائل العدنانيه والقحطانيه التي تنقلت في الجزيرة العربية والقبائل التي كانت تترك الجزيرة الى اطرافها؟ والجواب سيكون أقدم من السؤال ؛ هذه اللغة هي نتاج اللغة التي تكلمها الخوي سان الذين تكون عنهم من خلال الأستقرار والتكاثر كل سكان المنطقة العربيه بكل اقوامها وقبائلها وعشائرها. فبعد التطور الذي حصل عبرآلاف السنين التي مرت لايصح أن نبقي عل تسمية اللغة لغة الخوي سان وانما ألاصح ان نسميها بأسم المنطقة التي أصبحت جزءا منها. ولكون هذه المنطقه لم تعرف على مدى التاريخ اسما لها غير العربيه، فأن هولاء ألأقوام الذين نشأوا، كخلف لأجدادهم ألاوائل الخوي سان، أصبحوا كذلك أقوام عرب واللغة التي تولدت عنهم بمرور آلاف السنين هي اللغة العربية. فهم في الشمال القبائل العدنانيه العربية ولغتهم هي عربية: (عربية الشمال). وفى الجنوب أصبحوا عرب الجنوب، القبائل القحطانية، ولغتهم هي لغة عربيه: (عربية الجنوب). بهذا المنطق تكون اللغة التي أخذتها معها القبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة العربيه الى مستقراتها ألأخيره في ألأطراف هي اللغة العربية ايضا. ولأن اللغة العربيه ـ شأنها في ذلك شأن اللغات ألاخرى ـ خاضعة للقوانين العامة لتطور اللغة في الزمان والمكان بشكل مستمر، نقول للدقة: أن كل قبيله راحلة من هذه القبائل أخذت معها “أللغة العربية” في آخر طبقة من تطورها في الزمان والمكان الذي كانت فيه قبل أن تهاجر.
التواصل اللغوي في المنطقه اللغة العربيه أذن بأشكالها المختلفه مابين عدنانية وقحطانيه ولهجاتها مابين منطقة وأخرى هي لغة كل ألاقوام و الشعوب والمالك وألامبراطوريات التي انشأها حملتها في المنطقه. ولقد كان للطبيعة الجغرافيه للمنطقه التي تحيطها العوائق من كل الأتجاهات وتعرقل ألأتصال مابينها والخارج من شانه أن يخلق عزلة نحو الخارج قابلها ألأنكفاء على الداخل. أدى ذلك الى توثيق الصلات بين كل القبائل والعشائر والممالك ألأمرالذي أدى الى تكوين عادات وتقاليد مشتركه وقيام علاقات تجارية قوية ومصالح متزايدة واهتمامات متقاربه بين شمال الجزيرة العربية وجنوبها وأنعكست كذلك على بناء اللغة وتطورها. في عُمان أكتشف العلماء وجود آثارسكن بها في العصر الحجري. ففي رأس الحمراء غرب مسقط تم العثور على آثار سكن دائم بها لخمسة آلاف سنه متواصلة بين الألف السابع والثاني ق. م. وفي رأس الجنز قرب صور العمانية عثرت بعثة آثار أيطالية فرنسية مشتركه على قطعة فخارية تعود للألف الرابع قبل الميلاد. وغير ذلك مواقع أثرية لموانيء كثيرة اشارت بقايا ابنيتها واللقى فيها أنها كانت تمارس التجارة البحريه قبل الميلاد بآلاف السنين مع افريقيا ووادي الهند والسند، حيث تساعد الرياح الموسميه على ذلك غدوا ورواحا من جهة، ومع بلاد مابين النهرين ووادي النيل من الجهة ألأخرى. وتقول ألآثار المكتشفه قيام حضارات هنا منذ خمسة آلاف سنه اهمها حضارة ام النار (ابو ظبي). ويبدو من دراسة التاريخ وجود ممالك كانت هناك، فعلى لوح طيني تحدث الملك ألأكدي نرام سين عن نصر أحرزه على ملك عمان عام 2200 ق. م. ويبدو من ألاثار المكتشفه وجود علاقات تجاريه منتظمه بين وادي الرافدين وعمان منذ فترة حضارة العُـبيد (5000 سنه قبل الميلاد) على الأقل. استورد العراق القديم من عمان النحاس (بحدود 2200 طن سنويا) وحجر الديوريت لصناعة النصب والتماثيل اضافة للبخور للمعابد. وقد عثر على خزف العُـبيد على الضفة الشرقية للخليج العربي والضفة الغربية على طول الطريق الماربأراضي قطر والبحرين وألأمارات كمؤشر على طريق القوافل التجارية. ويبدوا من خلال ألاستكشافات ان الموانيء العمانية كانت حلقة وصل بين شرق اسيا والمنطقة العربيه. من الصين والهند كانت السفن الشراعية تبحر الى هذه الموانيء لتلقي ببضاعتها عندها وتحمل بضائع منها قبل ان تبحرمع الرياح الموسمية من جديد. وفي موانيء عمان كان التجار في الأنتظار ليحمٌلوا البضائع على الجمال متجهة الى المستهلك ألاخير أينما كان في الجزيرة العربيه جنوبا وشمالا. في عام 1984 أكتشفت مجسات وكالة الفضاء ألأمريكيه الناسا تحت الرمل في منطقة الربع الخالي ملتقى لثلاث طرق قادمة من الشرق (الموانيء العمانيه) والشمال (الخليج وبلاد مابين النهرين) والغرب (بلاد اليمن). أنها طرق القوافل التي استخدمت البغال منذ 8000 سنه والجمال منذ 5500سنه لنقل البضائع. عند الحفر في مركز االتقاطع عام 1992 اكتشف ألآثاري والمغامر ألأمريكي رانولف فينيس وزميله يوريس زارين وفريقهما وجود آثار لمدينة كانت مسورة تعود الى 7 آلاف سنه ق. م. كما اكتشف في هذ المكان تمثال برونزي اغريقي ألأصل، خزف روماني، لعبة شطرنج من الهند واوعية حجرية من الصين. وتعود ألآثار حسب رأي العلماء لمدينة أوبار (عُبار) التي استعصى العثور عليها على لورنس وكيم فلبي سابقا. ويعتقد العلماء أنها هي التي ذكرت في القرآن (ارم ذات العماد). والى القرب من هذه المدينه تقع واحة شزور التي كانت القوافل تقف عندها للتزود بالماء. وقد جاء في مقال لمجلة شبيغل العدد 8/1992 “خارج سور المدينه عثر ألآثاري يوريس زارين وفريقه على بقايا لأكثر من اربعين موقع لتخييم القوافل ربما منذ آلاف السنين.” وحين نعلم ان كل قافلة تضم مابين 150 ـ 400 بعير في العادة وقد يصل العدد الى حد الفي بعير، ومع تصورنا لحجم الحركة التجارية والتواصل ألأجتماعي، يمكننا ان نتصور اي بحر من النيران ينبعث عن المواقد في الليل وحجم الضوضاء التي تسود المكان في النهاروأي ثروة هائلة تحط في هذه المدينة وتنقلها هذه القوافل. انه تصور خارج عن امكانية التصور. ويكفي ان الله تعالى وصفها بقوله “لم يخلق مثلها في البلاد”. كان الطريق الثالث لهذه القوافل الغنية يسير بمحاذات الحافات الجنوبية للربع الخالي مارا بواحة شبوه متجها الى اليمن بلاد البخورحيث وضع المهاجر الأفريقي قدمه ألأولى جنوب المنطقة العربية. ومن هذا المنطلق فان كهوف جبال ووديان اليمن لابد وان تحتوي على أقدم الآثارعلى وجود ألأنسان هنا. ومع ذلك لم يستطع ألآثاريون الكلام بشكل مسهب عن هذا التأريخ لعدم وجود تنقيبات جدية ترفع طبقات التراب المتراكم عليها. وانما كان حديثهم يدورعن سد مأرب، مدينة مأرب، عرش بلقيس، شبكة قنوات الري الأثريّة، معبد الإله نكرح وغيره من الآثار المكشوفة للعيان. كما تحدثوا عن الممالك سبأ وحضرموت و قتبان ومعين وحميّر التي نشأت وفرضت نفسها على التاريخ بسبب دورها الحربي والسياسي والأقتصادي الذي لعبته في فترة ما قبل التأريخ للهيمنة على طرق القوافل التجارية التي كانت تتردد بين عمان والبحرألآبيض صعودا ونزولا لما يدره عليهم ذلك من عوائد مالية بسبب الرسوم التي تفرض على المروروالحماية ممن يمكن أن يغيرعليهم من القبائل. ولكن العلماء ومع ذكرهم لهذه الحظارات فأنهم لم يترددوا في تبيان ان تأريخ بدايتها غير معروف تماما. وفي الوقت الذي يشيرون به ان سبأ مارست دورها الفعال في بداية ألألف ألأولى ق.م. تشير ألأدلة المتوفره الى وجود تجارة للبخور منذ 3200 سنة قبل الميلاد وان طريق البخور هوأقدم خط للتجارة في التاريخ. وتنقل الموسوعة العالمية عن مصادرها انه عثر على ملاحظة قرب حديثه في العراق تشير الى ان حاكم ماري وسوكو (تقعان الى الشمال الغربي) قد هاجم في منتصف القرن الثامن ق.م. قافلة من سبأ وتيماء في منطقة هندانو (قرب منطقة البوكمال حاليا على الحدود بين العراق وسوريا) وان مملكة سبأ كانت في 715 ق. م. تدفع الجزية للآشوريين. وهذا كله يدلل على التوسع الذي حصل في التجارة ومعه ايضا أبعاد العلاقات والترابط بين سكان المنطقة العربيه من اليمن حتى اعالي الفرات منذ آلاف السنين. بعد ان تحمل القوافل في اليمن بالبخور تأخذ طريقها نحو الشمال باتجاه نجران وعسير ومنها الى مكة ويثرب وواحة العلا وتيماء وصولا الى فلسطين وسواحل البحرألأبيض حيث كان الفينيقيون يتولون نقل البضاعة الى أوربا. ولايقتصر خط التجارة على الطريقين شرق وغرب الجزيرة العربيه بين الشمال والجنوب فقط وانما يرتبطان بطرق عرضية أخرى تربط الشرق بالغرب. ففي اعالي عسير يتفرع طريق يأخذ القوافل شرقا عبر الصحراء باتجاه الخليج العربي ومنه باتجاه الشمال أو الجنوب وطريق آخر عند البتراء ينحدر شرقا في وادي سرحان الى اعالي الخليج العربي. تحتاج الرحله من الجنوب العربي الى شمال الجزيرة العربيه شهورا طويلة تقطع بها اكثر من 3000 كم بين الحجر والصخر وكثبان الرمل الى أن تصل غزه. تمرالقافلة خلال مسارها على 65 واحة تستريح بها القوافل وتبيع وتشتري وتتصل بشعوب وقبائل مختلفة فيحصل التعارف والتعرف على عادات ولهجات واكتساب صداقات وتعلم كلمات قبل أن تتزود بالماء وترحل. ولاننسى جلسات السمر في الليل حيث يتجمع المسافرون في القوافل حول مواقد النيران يتسامرون، يقصون القصص ويتبادلون ألأخبار ويروون الشعر. كل هذا النشاط الجم الذي كان عماد الحياة في المنطقة العربية لألاف السنين ساهم ولاشك في تشكيل وتمتين جذورلغة مشتركة مفهومة من الجميع بين كل اللغات واللهجات التي تحدثتها القبائل في الجزيرة العربية. ولأن أدلاء القوافل يأتون عادة من البدو الذين بسبب طبيعة معيشتهم المجدبة في ترحال واتصال دائم مع كل الشعوب والقبائل في ألأطراف ومع لهجاتهم ولغاتهم فقد صارهؤلاء البدو ليسوا ألأعرف بالصحراء وخصائصها فحسب وانما كذلك بلغات ألقبائل واللهجات وأنواعها. وقد جمّعوا عنهم المفردات حتى أصبح عندهم 300 اسم للسيف و1000 للأبل. لهذا اصبحت اللغة البدوية هي ألاغنى بالمفردات والتنوع والقواعد بين كل لغات المنطقة. ويذكر علماء اللغة ان هناك 16 الف جذر في اللغة العربية بينما لايزيد عدد الجذور في أغنى اللغات غير العربية عن 4 آلاف جذر (اللغة العبريه تحتوي على 2500 جذر فقط) ويبلغ عدد الفاظ أللغة العربية 4 ملايين لفظة في حين لاتكاد اللغة الصينية تصل حدود 200 ألف لفظة. وهذا يشرح لنا لماذا كان سكان المدن في السابق يبعثون ابناءهم الى البادية لكي يتعلموا لغتها ويتطبعوا بطباعها. وقد ارسلت ام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وليدها الى البادية لهذا الغرض كما نعلم. ويعطي المستشرق السويسري البروفسور ارنولد هوتنجر رأيا في قوة اللغة العربية للبدو مأخوذة من طبيعة حياتهم فيقول: “أن قوة الخلق لدى البدو الذين تدور حياتهم في فراغ لايوجد فيه الا شمس ورمال وحجر وأبل، تجمعت كلها في وسط واحد، وسط اللغة” وتعلمنا كتب التأريخ أن ألأختلاف بقي قائما على شكل لهجات عربية حتى البعثة النبويه وما بعدها. وما قول الخليفة ابي بكر رضي الله عنه لمن كلفهم بجمع القرآن “ان أختلفتم في شيء فردوه الى لهجة قريش فبه نزل” الا دليل على ذلك. ولهجة قبيلة قريش كانت هي ألأفصح والأكمل ولاريب، وقد اتتها الفصاحة من جميع أطرافها فهي كانت بدوية أصلا حتى أدخلهم قصي ابن كلاب مكة فينطبق عليها ما علمناه عن متانة لغة البدو بدءا. وقصي ابن كلاب هو الجد الرابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وبعد ان تولى القريشيون حكم مكة وسدانة البيت العتيق انفتح عليهم التواصل وهم جالسون في اماكنهم بشكل أكبر مع كل لهجات ولغات القبائل التي كانت تحج الى البيت فتقيم اسواق التجارة ويقيموا المواسم التي كان بلغاء القبائل يتنافسون فيها شعرا ونثرا. لذا أصبحت لغة قريش كقطب الرحى لبقية اللغات واللهجات في الجزيرة حتى قبل ان ينزل القرآن الكريم بها. وزاد شأنها أكثريوم كرمها الله تعالى بالقرآن الكريم فاندثرت بقية اللغات واللهجات تدريجيا وبقيت هي وحدها شامخة شموخ الدين العظيم، خزنة لكل تراث اللغة العربية الذي تجمع لها منذ الأمد وحافظة لمجده، كما ثبت ذلك القرآن الكريم، فلاتتغيرالى ألأبد. وفي الوقت الذي تتغير به لغات العالم أجمع من قرن الى قرن ‘ بقيت اللغة العربية في الأربعة عشر قرن ألأخيرة بدون تغيير. لقد عطلت لغة الله الموجودة في القرآن الكريم عند اذيالها كل قوانين تطوراللغة. فلا عجب أن شخص علم اللغات اليوم، الذي اثبت موت لغة على ألأقل كل اسبوع، اللغة العربية بأنها ربما تكون اللغة الوحيدة الباقية للمستقبل حين تفنى اللغات. ولما في ألأمر من جدية فقد شرعت دوائر في بعض الدول المتقدمة الى ترجمة مايهمها اطلاع ألأجيال القادمة عليه الى اللغة العربيه. وهكذا الشأن، فالله الذي بدأ الخلق في أفريقيا ورباهم عربا في منطقته المباركة بدا لغته العربية فيها وخلدها هنا ايضا. وهذا هو السمو الذي ما بعده. فحق للآخرين ان يغاروا وأن يحسدوا وأن يكرهوا وان يمكروا وحق لنا ان نفتخر يافلان. هل شاهد أحدكم سام ابن نوح على الطريق؟
اللغة العربية هي ألأم أطلق هيرودوت أبو التاريخ تسمية العربية على الجزيرة العربية وامتاداتها واضاف لها ألأرض الواقعة بين البحر ألأحمر ونهر النيل من أفريقيا. وقد اثبت العلم، كما اسلفنا، وجود هجرات عائدة من الجزيرة العربية (عند جدبها) الى أفريقيا سواءا عن طريق سيناء أو عن طريق مضيق باب المندب. وليس هناك شك من أن هؤلاء استقروا هناك مع لغتهم مما بررلهيرودوت حساب هذه المنطقة من أفريقيا على المنطقة العربية. وقد اثبت علماء اللغة قوة الترابط اللغوي بين جانبي البحر ألأحمر وخاصة لغة الجعيز في أرتريا وأثيوبيا وكتبوا بذلك الكتب والبحوث. ويشرح المستشرق وعالم اللغه توماس غام كريليدسه كيفية تصنيف اللغات بقوله: “يقوم علم اللغات بالبحث عن تطابقات في القواعد والكلمات واللفظ بين اللغات المختلفة ليتعرف على أمهاتها. و بعد سلسلة طويلة من هذه التطابقات يتم تحديد اللغة ألأم.” وقد وجد العلماء أن ألاصل هو اللغة العربية وفيهم من أحترم علمه وأعترف بذلك بدون مواربة، يقول مرجليوت الأستاذ بجامعة اوكسفورد “أما اللغة العربية فابتداؤها أقدم من كل تاريخ“. وجامعة أكسفورد لاتجامل العرب ولاتحبهم. وقوله هذا حق فالبداوة التي بدأت مع التصحر قبل عشرة آلاف سنه كانت على اتصال بجميع القبائل والشعوب المحيطة بها. فهي التي خلقت من كل أصيل في اللغات المحيطة بها لغة عربية متماسكة فمتـنت جذورها وصقلت صفاتها ووسعت مفرداتها وحين تعلم الناس الكتابة كان من فخرهم بلغتهم من الشده بحيث كتبوا جميلها بماء الذهب وعلقوه في اقدس بيت عندهم. وكل ذلك كان قبل التاريخ. ويهلهل نافيد كرماني ويقول: “المجد لمن يستحق المجد. للعرب الذين قدموا للغتهم ما لم يقدرعليه شعب في ألأرض” ففي الليالي حين كانت القوافل التي عمرها عمر التصحر تستقر في مستراحها ويتجمع الناس حول مواقدها أو حين يتجمعون وهم حضر في ديوان شيخ عشيرتهم وينتهون من حل مشكلاتهم اليوميه وتخطيطاتهم لما هو قادم و يرمون بكل ذلك خلف ظهورهم، عندها تحين أجمل ساعات يومهم المتعب بين ذكر ألأخبار وسرد الروايات والقاء الأشعار. ولما كانوا فيه من أمية فقد كانت حافظتهم صدورهم التي كانت تجيش بما تحفظ وتتفاعل معه حتى يصبح الخارج منها اجمل وارقى مما دخل. استمر ذلك عشرات ألآلاف من السنين حتى تكامل لها الخلق منذ آلاف السنين وليس في القرن السادس بعد الميلادو كما يدعون. أما ألاخرون فهم يكابرون: يقول المستشرق أرنست رينان المعروف عنه العداء لكل المنطقة العربية في كتابه تاريخ اللغات السامية: “من أغرب ما وقع في تاريخ البشرية وصعب حل سره، انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء فبدت فجأة في غاية الكمال”. في هذا القول يريد رينان أن يضحك على عقولنا وقد صدقه البعض فاستخدموا قوله هذا في محطة تبريرألأعتزاز باللغة العربية! قال رينان. واثبت رينان! وقبل رينان وبعد رينان جاء الكثير من العلماء ليتصنعوا الحيرة والتعجب من كمال اللغة العربية “التي لم تكن معروفة سابقا” حسبما يزعمون فظهرت فجأة الى العلن (وكأنها أرنب أبيض من كم ساحر) لتسر الناظرين وتبهر العالم بكمالها. وتذهب الموسوعة العالمية في حديثها عن (تاريخ اللغة العربيه) بعيدا على هذا الطريق فتقول: “ارتبطت اللغة العربية تاريخياً في القرن السادس ميلادي بـالشعر الجاهلي ولغته، وبـالقرآن في القرن السابع ميلادي”. وتقول الموسوعة ايضا: “من الناحية التأريخية تعتبر اللغة العربية أحدث اللغات السامية (العبرية وألآرامية وألآثيويبية)….. الخ” وهذه خطل مابعده خطل وليس له مايبرره في أي علم أو منطق على ألاطلاق الا ان يكون نتاج الأ صابة بعدوى العنصرية التي لقحت بها التوراة البابليه كل مهووس آمن باساطيرها ضد العرب. يقول البروفسور عالم ألآشوريات ألألماني بوركهاردت كيناست، “أذا تغاضينا عن بعض ألأختلافات البسيطه وبالتالي غير المهمه نجد هناك…. تطابقا يثير ألأستغراب وبحاجة الى تعليليل جدي بين اللغة ألآكادية واللغة العربيه “. ولماذا ألأستغراب؟ لو وسع كيناست افقه ونظر فوق حافة صحنه لفهم. يقول تأريخ الهجرات أن ألأكديين كانو أول قوم يرحلون من الجزيرة العربيه ويستقرون في جنوب بلاد ما بين النهرين. فلابد والحال هذه أن يكونوا أخذوا لغتهم معهم. فأذا تم ا كتشاف أن هذه اللغة متطابقة مع العربيه فأن هذا يعني أن اللغة العربية كانت متواجدة منذ زمن ألأكديين قبل مايقرب من سبعة آلاف سنة على ألآقل في شبه الجزيرة العربية. وعلم تصنيف اللغات يعمل على أيجاد التشابه بين اللغات المختلفه لكي يستلهم عن طريق التشابه علاقات النسب فيما بينها. فلماذا يتصنع هذا العلم الأغماء كلما يقترب من اللغة العربية ويترك أصحابه في حيرة واستغراب يفسرون ألأمورعلى هواهم؟ والجواب واضح؛ انهم لايريدون أن يعترفوا للعروبة بأصالتها التأريخية! فعمدو الى تغطية كل العروبة وابعادها الشخصية بعباءة سام ابن نوح.
عربية أم سامية؟ أصطفى الله بني أسرائيل على العالمين لحمل رسالته. وعلم هؤلاء في وقت مبكر عن أباءهم وانبياءهم انهم ليسوا أهلا لها وعرفوا باكرا جدا أن الله هيأ بني اسماعيل ليقوموا بهمة تثبيت الرسالة في ألارض وحملها الى الشعوب.. ولما لم يستقم أمرهم مع الله وينفذوا العهد توالت النكبات عليهم لأخلالهم بالعهد حتى أصبح واحدهم من شدة الخوف يتمنى في النهار أن لوكان ليلا ويتمنى في الليل أن لو كان نهارا. وواتتهم الفرصة بعد أحتلال كورش لبابل 539 قبل الميلاد وأختيارالحاخام عزرا ليكون سكرتير البلاط للشؤون الدينية فكتبوا توراتهم من جديد بعد أن أحرق ألأشوريون توراة موسى الأصليه في المعبد في 722 ق. م. فنفخوا بنار حقدهم فيها على الخالق والأنبياء وكل شعوب ألأرض الذين هم من غير جنس اليهود وفي المقدمة منهم العرب فشوهوا ماشاء لهم أن يشوهوا. ثم جاءت الكنيسة لتبتدع دينا واحدا لأمبراطوريتها الرومانية فأخذت ماكتبه يهود بابل ليجعلو منه أساسا يبنون عليه عقيدتهم. فتسرب العداء للعرب ولبني أسماعيل الى كل مابنته الكنيسه. ثم صادرت الكنيسة الفكر والتفكير فاصبحت كل عقيدة تخالفها هرطقه (كفر) وكل فكرة لاتتطابق معها جريمة تستحق الموت على المحارق في الساحات العامة التي قلما خلت منها مدينة في أوربا. وسيطرت الكنيسة وانكفأ العقل وسادت أوربا قرون من الظلام واصبح كل مفكر ومخترع ومكتشف يبحث في سفر الكنيسة أولا قبل أن ينطق. فان استطاع أن يدعم قوله بلمحة من سفر الكنيسه فله ان يتوكل عليه ويعلن وان لم يجد فليصمت كما صمت غاليلو. وأن اعلن ما لايتطابق مع السفر بحرف واحد فليتبوأ مقعده في نار الكنيسة على اقرب محرقة كما تبوأ ها جيوردانو برونو.
فمن يجرؤ على الكلام؟ حسب الأنجيل آمن علماء اللغة في اوربا بأن لغة الخلق هي العبرية وأنها لغة أهل الجنه وقالوا حسب ألانجيل ان كل اللغات نشأت من العبرية يوم تهدم برج بابل وفر الناس في كل اتجاه وتبلبلت ألآلسن فنشأت اللغات وأصبح كل فريق يتكلم لغة مختلفة عن العبرية ألأم. بهاذا ألأختصار كتب يهود بابل تأريخ اللغات في كتبهم وهذا ماأخذته الكنيسة الرومانية عنهم والزمت به أتباعها والويل للمخالف. وحين أكتشف العلماء أن اللغة العربية أقدم حتى من منشأ اسطورتهم في بابل لم يتمكنوا من ألأعتراف بذلك لأن ذلك خطر على حياتهم ولأن من شأنه أن يضع علامة استفهام كبيرة جداعلى مصداقية كتبهم المقدسة. وزاد طينهم بلة أن اللغة ألأقدم هي بالذات لغة العرب المكروهين في آسفار بابل والكنيسة الرومانية. وضلوا في حيرتهم الى ان خرج عليهم عام 1781عالم اللغة ألألماني آوجست لودفج فون شلوصر بتسمية “السامية” نسبة الى سام ابن نوح الذي ورد ذكره في توراة اليهود البابلية. فهبطت اللغة العربية من موقعها كشجرة أصلها ثابت تضلل كل اللغات ألاخرى الى مجرد لغة ليس لها الا أن تخنع وتقنع بالموقع ألأخير من سلسلة لغات تسمى حسب اسطورة توراتيه بابليه “أللغات السامية”. تقول التوراة أن نوحا وابناءه نجوا من الغرق يوم أهلك ألله الحرث والنسل غلى وجه ألارض. والقصة بهذا البعد مختلقه تماما وقد كذبّها رب العزة بوحيه “ولقد أرسلنا نوحا الى قومه” فنوح لم يرسل للعالمين لكي يغرق الله الجميع. كما كـذّب ذلك حكم السلالات الفرعونية في مصر الذي بقي مستمرا ولم يثبت به أي انقطاع يدل على الغرق. ومن ناحية اخرى أكتشف علماء ألآثار لدى تنقيبهم في جنوب العراق وجود دلائل تشير الى حصول فيضان كبير قد يكون هو مااشارت اليه الرقم السومريه عن الطوفان وانوبشتم الذي صنع الفلك. فهو اذن طوفان محدود أهلك به الله قوم نوح كما أهلك عاد الأولى وثمود فما أبقى. وبقيت البشرية في مناطقها ألأخرى سالمة لم يمسسها سوء. ولكن التلفيق في التوراة البابلية يستمر ليرسم اساطير ألأولين. فبعد أن رست السفينة كان نوح وأبناؤه هم كل من بقي على وجه ألأرض وأن نوحا وزع ألأرض بين أبناءه فكانت حصة حام افريقيا وحصة يافت شمال ألأرض وحصة سام جنوب ألأرض. وتقول التوراة ان نوحا أصبح أول فلاح في الكون ولكنها لم تذكر أنه زرع ثوما او بقلا أو قثاءا او بصلا وانما بادر الى زرع حقل للعنب ليعصر من كرمه ويشرب فيسكر ويتعرى ويلقي بنفسه في خيمته فيمر به ابنه حام ويراه على هذا الحال الكسيف فيقوم بأخبار أخوته سام ويافت، وليس في ذلك ما يعيب، فيقومان هذان بسترعورة اباهم نوح وهو غارق في سكرته. وحين يفيق نوح من سكرته يخبراه بما فعل حام فيباركهما ويلعن كنعان أبن حام (الذي لاعلاقه له بعري جده نوح) قائلا: ملعون كنعان؛ يكون أرذل العبيد لأخوته سام ويافت. ويقول بعض مفسري ألأنجيل ان اليهود كتبوا ذلك لتبريرعداوتهم للكنعانيين باعطاءها نفحة مقدسه. ومهما كان من شيء فلا هذا وحي الله ولا السكران العريان اللعان نبيه. ولكن اتباع توراة بابل وسفر الكنيسة الرومانيه اتخذو منه رخصة ربانيه لآضطهاد ألآخرين وخاصة ألأفارقه وأستعبادهم. ومن الجدير بالذكر ان هذه القصة لاتملك أي سند تأريخي ولاساند لها في أي كتاب مقدس. اذ لم يذكر سام ولاحام ولايافت الا في التوراة. انها باختصار نسج يهودي بابلي لأغراض سياسية عدوانية ليس بها من الدين شيء. ولكن بهذا النسج الذي وضعه عزرا كاتب التوراة المحرفه في بابل أصبحت منطقتنا العربية أسيرة عند سام. وهكذا ضيعت ألاسطورة على العرب تأريخهم الشامخ لأنهم رضوا بذلك فأصبحوا مجرد شعب سامي بدوي همجي يده على الجميع ويد الجميع عليه. كما أضاعت الساميه على اللغة العربية التي بلغ قدم نصوصها 4000 سنه، كما قـدّر مخطوط مناجم الفيروز في صحراء سيناء، رونق تاريخها العظيم باعتبارها اللغة ألأم ليس للغات المنطقه فحسب وانما لكل لغات العالم. وأذا كانت سام قد تكلم لغة سميت على أسمه فهل تكلم حام ويافت نفس اللغه واذا كان القول بنعم فلماذا سميت على اسم الصغير سامية وليس على اسم ألاب نوحية أو حاميه؟ واذا كانت هي لغة سام فقط فهذا يعني ان ألآخرين كانت لهم لغات أخرى. فكيف تفاهم هذا البيت فيما بينهم وكل منهم يتكلم لغة خاصة به؟ وكيف تفاهم معهم ألأب نوح؟ سفسطة في موضوع سفسطي. لم تعرف المنطقة منذ الاف السنين أسما لها غير العربيه! والشعوب واللغات تسمى عادة على اسماء مناطق سكنها. فكيف يقبل المنطق أن تسمى هنا لغة على اسم شخص؟ واذا كان علماء الغرب لغيرتهم وحسدهم وحقدهم يركلون العرب بعيدا ويفرضون علينا “سام” ويفصلون على مقاسه الشعب العربي الى الشعوب واللغة العربية الى لغات في سابقة عنصرية متعجرفة متعسفة ليس لها مثيل في كل تاريخ العالم، فما بالنا نحن العرب وقد اصبح فينا اليوم اسـاتذة الجامعات والمفكرين والمؤرخين وعلـماء ألاثار والباحثين وهذا الشبح المدعو سام الذي لم يعرفه أحد واسطورته البائسة، لكي نركض خلف المتعسفين والمتعجرفين العنصريين نهز رأسنا كما يهزون ونقزم أنفسنا كما يريدون ونردد خلفهم: نعم! العرب: من الشعوب السامية! نعم! اللغة ألعربية: أحدى اللغات السامية. ترى متى نفيق ونعطي لأنفسنا حق قدرها ونرمي عن كاهلنا هذه ألأوزار التي وضعها عزرا وابناءه على أكتافنا؟… متى؟ أنها دعوة لكل العلماء والباحثين أن يعززوا أصالة العرب واللغة العربية من خلال دراساتهم وبحوثهم. ودعوة للجميع أن يخلعوا عباءة سام عن أكتافهم ويلبسوا عباءتنا العربية بدلا عنها فهي والله اكثر واقعية واليق من “الثوب الجديد للملك” الذي حدثنا عنه الكاتب الدنماركي هانز كريستيان أندرسن. |
شبكة البصرة |
الخميس 25 جماد الاول 1440 / 31 كانون الثاني 2019 |
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط |