الرهانات المستنزفة لتحويل مسار الحرب شبه الدولية في بلاد الشام
تركيا وإسرائيل ولعبة التحالفات المتضاربة |
عمر نجيب |
بموازاة مع إندلاع الحرب شبه الدولية على أرض بلاد الشام في منتصف شهر مارس 2011 وبعد أن تبين أن تدمير الجيش العربي السوري لن يكون بالسهولة التي تم تصورها في البداية، تحركت الآلة السياسية والعسكرية والاعلامية للتحالف الأمريكي التركي الإسرائيلي وتوابعه، المناهض لدمشق للترويج لفكرة المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية وخاصة بموازاة الحدود مع تركيا في الشمال وفي الجنوب مع الأردن وخطوط وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
هذا التحرك جرب عدة مرات من طرف التحالف الغربي في العراق سنة 1991 لمنع الجيش العراقي من التحرك لإخماد التمرد الكردي في شمال البلاد مما قسم عمليا العراق حتى تم غزوه وإحتلاله سنة 2003، كما طبقت العملية في ليبيا في 17 مارس 2001 تحت غطاء حماية ما سمي بالثورة الليبية، وقبل ذلك في منطقة البلقان خلال العقد الأخير من القرن العشرين. المناطق الآمنة التي قال داعموها أن الهدف منها حماية المدنيين من دمار الحروب والنزاعات لم تكن في الواقع سوى غطاء لتبرير التدخل العسكري ضد جيوش وأجهزة وسلطات البلد المستهدف وطريقة لتمكين قوى معينة محلية أو أجنبية من الهيمنة على هذا البلد. في سنة 2012 أي بعد أقل من سنة على بداية الصراع في سوريا طرحت أنقرة وواشنطن فكرة المنطقة الآمنة، ولكنها لم تدخل حيز التطبيق عبر قرار لمجلس الأمن الدولي كما أراد البيت الأبيض بسبب معارضة روسيا والصين. لاحقا تكرر طرح المشروع ليصطدم بالرفض الروسي الذي كان تجاوزه يمكن أن يقود إلى مواجهة عالمية بين موسكو وواشنطن. تطورت المواجهات العسكرية والسياسية على ساحة بلاد الشام لصالح دمشق إبتداء من 30 سبتمبر 2015 مع تدخل القوات الجوية والفضائية الروسية، وفشلت واشنطن وتل أبيب في فرض منطقة آمنة في الجنوب على مشارف الجزء المحتل من هضبة الجولان أو على حدود الأردن وحرر الجيش السوري المنطقة كما فعل قبل ذلك في حلب وطوق دمشق وغيرها من الأراضي السورية.
فشل هجوم إسرائيلي يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2018 أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رسميا انسحاب قوات بلاده من سوريا، وأضاف “منذ مدة طويلة ونحن نحارب في سوريا، وأنا رئيس للولايات المتحدة منذ عامين، لقد قطعنا مرحلة كبيرة، وهزمنا داعش شر هزيمة واستعادنا الأرض”. وبموازاة مع الاعلان عن الانسحاب عادت واشنطن إلى اسطوانة المنطقة الآمنة وهذه المرة برعاية تركية. يوم الأحد 20 يناير 2019 ذكرت وكالة الأنباء الألمانية “د ب ا”: أبلغ الرئيس رجب طيب أردوغان، نظيره الأمريكي دونالد ترامب، استعداد تركيا لتولي حفظ الأمن في منطقة منبج السورية، دون إضاعة للوقت. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين الجانبين، مساء الأحد، بحسب ما ذكرت مصادر في الرئاسة التركية، للأناضول. ووفق المصادر، اتفق الزعيمان على القضاء على فلول تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا واتخاذ إجراءات مشتركة للحيلولة دون عودته. ومن جهته قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، يوم الأحد، إن خطط واستعدادات بلاده جاهزة بشأن العمليات العسكرية المحتملة في منبج وشرق الفرات بسوريا. وفيما يتعلق بشرق الفرات ومنبج، قال أكار: “سنقوم بالعمليات والخطوات اللازمة في الوقت والزمان المناسبين”. وأضاف: “خططنا واستعداداتنا جاهزة لمواجهة المشكلة التي تعترضنا في منطقة منبج السورية وشرق الفرات” يوم الأحد 20 يناير 2019 نقلت وكالة الإعلام الروسية عن مركز التحكم العسكري الروسي قوله إن هجوما شنته أربع طائرات إسرائيلية مقاتلة يومه وتصدت له الدفاعات الجوية السورية استهدف مطارا في جنوب شرق دمشق. ونقلت الوكالة عن المركز قوله إن الهجوم، الذي نفذته أربع طائرات إسرائيلية من طراز إف- 16 من أجواء البحر الأبيض، لم يسقط ضحايا ولم يلحق أضرارا بالمطار، وأوضح أن منظومات الصواريخ المضادة للطائرات “بانتسير” و”بوك” السورية دمرت 7 صواريخ إسرائيلية، وأن البنية التحتية للمطار السوري المستهدف لم تتضرر جراء الغارة، كما أن الحادث لم يسفر عن أي إصابات أو دمار. كما نقلت وسائل إعلام رسمية سورية نبأ الهجوم. وذكر مصدر عسكري للوكالة العربية السورية للأنباء ”وسائط دفاعنا الجوي تصدت بكفاءة عالية لعدوان جوي إسرائيلي استهدف المنطقة الجنوبية ومنعته من تحقيق أي من أهدافه“. ولم تذكر الوكالة المزيد من التفاصيل. ورفضت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي التعليق. وذكر الجيش الإسرائيلي في بيان صدر في وقت لاحق يوم الأحد أن منظومة القبة الحديدية التابعة له أسقطت صاروخا أطلق صوب الجزء الشمالي من هضبة الجولان المحتلة على الحدود السورية. ولم يذكر بيان الجيش موقع إطلاق الصاروخ ولكن يعتقد أن الصاروخ السوري كان يستهدف هدفا معاديا. وشمال الجولان قريب أيضا من الأراضي اللبنانية. وتخلت إسرائيل عن صمتها المعتاد بشأن هجمات على أهداف قرب خطوط هدنتها مع سوريا خلال شهر يناير 2019 في محاولة للإشارة إلى الثقة في حملة شنتها وسط توتر بين الحين والآخر مع روسيا الحليف الأساسي لسوريا.
مشروع الحرب التركي الأمريكي كتب المحلل الأردني هشام الهبيشان يوم 19 يناير 2019 في تقرير نشر في لندن: تزامنا مع استمرار حالة الغموض حول الانسحاب الأمريكي من منطقة شمال شرق وشرق سوريا، وتصاعد حدة التهديدات والتحذيرات بين جميع الاطراف حول مستقبل المنطقة التي سيخليها المحتل الأمريكي، أعلن في شكل مفاجئ من أنقرة وواشنطن عن خطط لتحويل هذه المنطقة لـ منطقة” آمنة”، وحسب الاعلان التركي الأمريكي، وحسب وسائل إعلام تركية فإن المنطقة الآمنة تشمل مدنا وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة، وتمتد على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية السورية، وبعمق 32 كيلومترا. وأبرز المناطق المشمولة في المنطقة الآمنة، المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرين بمحافظة حلب، وعين عيسى بمحافظة الرقة. كما تضم المنطقة الآمنة مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية بمحافظة الحسكة. وكذلك ستضم المنطقة كلا من عين العرب بمحافظة حلب، وتل أبيض بالرقة. وهنا نستطيع أن نقرأ بوضوح وخصوصا بعد الاعلان التركي الأمريكي هذا، أن القوى الاقليمية والدولية وخصوصا أمريكا وتركيا، قد عادت من جديد لتمارس دورها في إعادة صياغة ورسم ملامح جديده لأهدافها واستراتيجياتها المستقبلية بهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية بكل أركانها، وما هذا التطور إلا جزء من فصول سابقة، عملت عليها الاستخبارات التركية والأمريكية، منذ سنوات عدة ولليوم، فهي عملت على إنشاء خطط بديلة، بحال تعثر خططها العسكرية، والعودة للحديث الآن عن المناطق الآمنة، يؤكد حقيقة تبني مشروع الحرب على سوريا من قبل تركيا وأمريكا، ووضع كل السيناريوهات اللازمة لانجاح مخطط واشنطن في مايو 2013، والعودة لتبنيها اليوم يؤكد حقيقة، ان مشروع الحرب على سوريا لم ينتهي لليوم، ومازالت دوائر الاستخبارات العالمية المنخرطة بالحرب على سوريا، تضع كل خططها البديلة موضع التنفيذ والتفعيل حال الحاجة لها. ما وراء الكواليس لما يجري في أنقرة وواشنطن اليوم يظهر ان هناك مشروعا تركيا أمريكيا قد اقر يستهدف البدء بإنشاء هذه المنطقة، وما مغازلة الأكراد الاخيرة لأنقرة وبضغط من واشنطن، ما هو الا دليل يؤكد، ان الظروف على الارض قد باتت مهيأة لإنشاء هذه المنطقة وبحجج واهية، وهذه الحجج حسب مراقبين تدخل ضمن إطار الدخول المحتمل للجيش التركي أو أي قوات اخرى إلى الأراضي السورية، وإقامة مناطق “آمنة” ستتحول لمناطق حظر جوي بأقصى الشمال والشمال الشرقي السوري، وكل هذا سيتم بحجج إعادة اللاجئين السوريين الى وطنهم وتوفير مناطق آمنة لهم، وهنا وفي شق آخر يبدو واضحا ان هذا المسعى التركي الأمريكي المدعوم بأجندة إقليمية ودولية لإقامة مناطق “آمنة “بشمال سوريا، سيصطدم بمجموعة لاءات روسية ايرانية، فهذا المسعى يحتاج الى قرار أممي لتمريره والفيتو الروسي الصيني حاضر دائما، وعلينا هنا الا ننسى ان الجمهورية العربية السورية ما زالت بما تملكه من قدرات عسكرية قادرة على إسقاط أي مشروع علني لتدخل خارجي مباشر أو غير مباشر بسوريا. ختاما، نقرأ أن أنقرة وواشنطن قد بعثت بكل رسائلها لكل الاطراف وخصوصا للدولة السورية والروسية ولإيران، بأن هناك تغيرات كبرى منتظرة على الارض السورية، وهذا ما ترفضه في شكل قاطع كل من روسيا وإيران، وحتى بعض الدول المحايدة في الملف السوري نوعا ما.
ضجة اعلامية خلال سنة 2018 كثر الحديث عن خلافات تركية أمريكية حول الملف السوري بلغ بالبعض القول أنها قد تقود إلى مواجهة بينهما، لكن محللين ومراكز رصد أشاروا إلى أن الأمر ليس كذلك. الباحث السياسي التركي، الأستاذ في جامعة كهرمان مرعش بتركيا، طغرول إسماعيل صرح في مقابلة لصحيفة “أوراسيا إكسبرت” الروسية: التناقضات بين تركيا والولايات المتحدة لا تزداد، ولكنها لا تتناقص. أعتقد أن هذه التناقضات كانت وما زالت موجودة. ترامب، يحب طرح آرائه في تويتر. لذلك، فليس هناك تغييرات جدية. لم تتغير سياسة الأمريكيين في المنطقة، كما لم تتغير سياسة تركيا في المنطقة. إذا جاز القول، فإن التناقضات بين تركيا والولايات المتحدة متوسطة الحدة. أما تأثيرها في صيغة تعاون روسيا وإيران وتركيا فيعتمد على موقف قيادة روسيا وإيران، وعلى نحو أدق، مدى حساسيتهما ودبلوماسيتهما. أعتقد بأن من الخطأ، بالنسبة لروسيا وإيران، الاعتقاد بأن الأمريكيين شددوا مواقفهم ضد تركيا، وأن بإمكانهما استخلاص أقصى فائدة من ذلك. لروسيا وتركيا وإيران، مصالحها الخاصة في المنطقة. توحدهم في المقام الأول سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تتناقض مع مصالح هذه البلدان. ينبغي النظر إلى التقارب بين روسيا وتركيا في سياق مختلف. ففي المنطقة إيران أيضا، ولديها مصالحها الخاصة، التي لا تتوافق دائما مع المصالح الروسية والتركية. كل بلد له مصالحه الخاصة. سياسة الولايات المتحدة فقط تكتيكيا توحد هذه الدول.
روسيا تعارض موسكو وفي رد فعل أولي على مشروع المنطقة الآمنة، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمره السنوي يوم 16 يناير، ضرورة سيطرة الحكومة السورية على المناطق التي ستنسحب منها القوات الأمريكية مع مراعاة مصالح الأكراد وفقا للقوانين السورية. وأضاف لافروف أن التسوية السياسية في سوريا تسير ببطء أكثر مما كان مرغوبا فيه، لكن التقدم واضح في هذا المجال. وأشار لافروف، إلى ضرورة استكمال الحرب ضد الإرهاب، وخاصة في الوقت الذي فرضت فيه “هيئة تحرير الشام”، التي تشكل “جبهة النصرة” الإرهابية عمودها الفقري، السيطرة الكاملة على محافظة إدلب، آخر معقل للمسلحين في البلاد. وفي هذا الخصوص، أعرب لافروف عن اهتمام موسكو بتنفيذ الاتفاق المبرم في سبتمبر 2018 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان بشأن وقف إطلاق النار في إدلب، مشددا على أن هذا الاتفاق “لا يقضي بمنح الإرهابيين حرية التصرف الكاملة”. وأوضح وزير الخارجية الروسي أن المسلحين يستمرون في انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار واستهداف قوات الحكومة السورية وقاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية. وأكد لافروف أن هذه المسألة ستطرح على أجندة الاجتماع المتوقع بين الزعيمين الروسي والتركي في وقت لاحق من شهر يناير. كما تطرق لافروف إلى الوضع في شرق الفرات، وذكر أن الولايات المتحدة أقامت نحو 20 موقعا عسكريا، بما فيها قواعد عسكرية، في شرق الفرات، مما يستدعي بطبيعة الحال قلقا لدى تركيا. وقال: “ليس سرا أن الأمريكيين سلحوا “وحدات حماية الشعب” الكردية المتعاونة معهم، مما يستدعي تساؤلات، لاسيما من زملائنا الأتراك، بشأن ما سيحدث لاحقا لهذه الأسلحة والمنشآت العسكرية. نحن مقتنعون بأن الحل الأفضل والوحيد هو تسليم المنطقة إلى الحكومة والجيش والمؤسسات الإدارية السورية”. وفي الوقت نفسه، أشار لافروف إلى ضرورة ضمان جميع ظروف المعيشة المطلوبة للمواطنين الأكراد في مناطقهم. وتابع: “نرحب بالاتصالات التي بدأت الآن بين ممثلي الأكراد والسلطات السورية بهدف الاتفاق على كيفية استعادة الحياة ضمن دولة موحدة، دون تدخلات خارجية”. كما تطرق لافروف إلى خطة الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، وأشار إلى تضارب المواقف الأمريكية بخصوص تفاصيل هذه العملية، مذكرا بالقول المأثور الذي جاء على لسان الكاتب الأمريكي مارك توين: “الإقلاع عن التدخين من أسهل الأمور في العالم، فعلت ذلك مرارا”. وفي تقييمه العام للوضع في سوريا، شدد عميد الدبلوماسية الروسية على أن الإرهاب الدولي يتكبد هزيمة في سوريا، مضيفا أن موسكو ستواصل العام المقبل عملها على تثبيت النزعات الإيجابية في هذه البلاد وأولويتنا الحفاظ على وحدة سوريا. مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أشارت إلى أن تصريحات لافروف تعكس نفس الأسلوب الذي اتبعه الكرملين مع كل من واشنطن وتل أبيب عندما ناديا سنة 2017 بإقامة منطقة آمنة في درعا والجولان. نفس المصادر تحدثت كذلك عن تزايد جهود التنسيق منذ الربع الأخير من سنة 2018 بين أنقرة وتل أبيب بشأن الملف السوري في نطاق محاولتهما تجاوز تعثر مخططاتهما في الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض الشام.
ازمات في الاعلام تشير مصادر الرصد أنه رغم الضجة الكبيرة عن التوتر بين أنقرة وتل أبيب فإن من يدقق في مسيرة العلاقات التركية الاسرائيلية خلال السنوات الماضية سيكتشف انه لم تكن هناك ازمة بالمعني الحقيقي، وانما كانت ازمة اعلامية سياسية دبلوماسية وهي ازمة كانت مدروسة علي الصعيد التركي الهدف منها كسب العالم العربي والاسلامي وهي عبارة عن جزء من الحملة الاعلامية لبناء دور تركي وترويج هذا الدور في المنطقة ليكون مدخلا الي الشارع العربي الا أنه بالرجوع لمسيرة العلاقات التركية الإسرائيلية خلال هذه السنوات سيجد أنها بقيت جيدة للغاية، ولكن ضمن اطر سرية وأمنية عالية المستوي. نهاية شهر أبريل 2018 وبعد صدور التقرير السنوي لدائرة الإحصاء التركية، هاجمت وسائل إعلام ومواقع تركية حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد الكشف أن تركيا حلت في المرتبة الأولى على سلم الدول التي تزود إسرائيل بالإسمنت والحديد الأمر الذي يساعدها في توسيع عمليات الاستيطان. واتهمت صحيفة “مللي غازيتا”، حكومة بن علي يلدريم بمساعدة إسرائيل في بناء المستوطنات غير المشروعة على أراضي الفلسطينيين، بعد أن كشف التقرير السنوي للهيئة لعام 2017، أن تركيا صدرت مليون طن من الإسمنت لإسرائيل. وقالت الصحيفة إن الأرقام أظهرت أن اسرائيل استوردت 9,8 مليون طن من الإسمنت من تركيا، من أصل 16,9 مليون طن مجمل ما استوردته إسرائيل خلال الأعوام الـ15 الأخيرة، أي أن 59 في المئة من مجمل ما تستورده إسرائيل يأتي من تركيا. كما قالت الصحيفة إن الأرقام الرسمية كشفت أن تركيا هي المزود الأول لإسرائيل بالحديد أيضا، مشيرة إلى أن 45 في المئة من مجمل ما استوردته إسرائيل من الحديد عام 2017 جاء من تركيا. بمعنى أن تركيا باعت إسرائيل حديد بمبلغ وصل إلى 544 مليون دولار، وذلك خلال عام 2017 وحده، وأن أنقرة حافظت على بقائها في الدرجة الأولى في سلم الدول المصدرة لإسرائيل الإسمنت والحديد الخاص بالبناء منذ عام 2002 حتى 2017. تقرير أعده مركز الزيتونة، الفلسطيني، للدراسات والاستشارات، أشار من جانبه إلى أن الصادرات الإسرائيلية لتركيا خلال 2017، بلغت 1.4 مليار دولار، في مقابل واردات إسرائيلية من تركيا بحوالي 2.9 مليار دولار. يشار إلى أن حركة التجارة بين تركيا وإسرائيل شهدت تعزيزا إجرائيا، في أعقاب فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية ثانية. وقد تمثل ذلك كما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، بوصول ملحق تجاري تركي جديد لإسرائيل هو هوثمار آينمز، بعد أن كان هذا المنصب شاغرا لسنوات، في السفارة التركية. وأشارت الصحيفة، إلى أن العلاقات التجارية مع تركيا منتعشة، رغم الحديث الإعلامي التركي مرتفع النبرة، الذي يوصف بأنه نهج لأردوغان في الترويج السياسي لشخصه وسياساته. من وجهة نظر المعارضة التركية فإن أردوغان وحكومته متهمان بالنفاق بسبب تحديهما إسرائيل عبر تصريحات سياسية من جهة، لكن من جهة أخرى هناك اتفاق تطبيع ساري معها وتبادل تجاري متنامي. وكانت المعارضة التركية قد طالبت سنة 2018 بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل عقب مقتل نحو 60 متظاهر على الأقل في قطاع غزة خلال بداية مسيرات العودة الكبرى، وتم رفض أي مقترح حول إلغاء الاتفاقيات الثنائية بين الطرفين من البرلمان بأصوات نواب حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، بل واتهم وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو المطالبين بإلغاء الاتفاقيات بالانتهازيين. زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كليجدار أوغلو اتهم يوم 14 مايو 2018 الرئيس أردوغان باستغلال القضية الفلسطينية مطالبا إياه بافتتاح سفارة لتركيا في القدس الشرقية بصفتها عاصمة للدولة الفلسطينية إن كان يتحلى بالشجاعة الكافية. مصادر أوروبية وفلسطينية كشفت عن تكثيف التعاون الأمني والعسكري الواسع بين أنقرة وتل أبيب خاصة في مجال تحديث الطائرات وأنظمة الصواريخ من طرف شركة “ايلتا” التابعة لمركب الصناعات الجوية الاسرائيلية.
التحالف الاستراتيجي يوم الاثنين 8 أكتوبر 2018 قال مركز بحثي أمريكي معني بالشؤون الاستخباراتية إن التحالف الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل في الشرق الأوسط الذي عززه هدفهما الحد من النفوذ الإيراني ومنع دول عربية أخرى من الاصطفاف ضدهما، سيحمي العلاقات بين أنقرة وتل أبيب من “الصدمات الخارجية”. وأضاف مركز ستراتفور في تقييم نشره يوم الاثنين أن الجهود الأمريكية المكثفة لإيجاد حلفاء إقليميين يمكنها الاعتماد عليهم في احتواء إيران من شأنها أن تبقي البلدين متقاربين. وأشار المركز إلى دفاع تركيا عن إقامة دولة فلسطينية. وقال إن هذا يوفر لتركيا مصداقية مهمة أمام العالم الإسلامي، في حين أنه يتعارض مع الاستراتيجية الدفاعية للدولة العبرية. في التفاصيل، يقول ستراتفور إن إسرائيل وتركيا يبدو أنهما في طور اختبار استعداداتهما لاستئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة. فالمسؤولون من البلدين يعتقد أنهما التقيا في الإمارات العربية المتحدة شهر سبتمبر 2018 لبحث تحسين تلك العلاقات التي تعثرت منذ مايو. هناك إشارات أخرى على التقارب التركي الإسرائيلي، بحسب تقييم المركز. يقول ستراتفور إن تركيا أرسلت مؤخرا ملحقا اقتصاديا إلى إسرائيل التي فتحت بدورها قائمة داخلية لاختيار سفير محتمل إلى تركيا. ويخلص التقييم إلى أن حكومتا البلدين، وهما متحالفتان في بعض الأحيان، ومتعاديتان في أحيان أخرى – يدفعان مرة أخرى نحو تسوية، فيما يتحركان لمواجهة إيران والتوافق مع المطالب الأمريكية والدفاع عن مواضعهما في الشرق الأوسط.
البحث عن أرضية مشتركة يقول المركز الأمريكي إن هناك الكثير من العوامل الاستراتيجية التي تربط تركيا وإسرائيل، فهما قوتان غير عربيتين محوريتين في المنطقة وحاسمتين في توازن القوى، التي تضم إيران الفارسية والقوى العربية وعلى رأسها مصر والسعودية. وأضاف ستراتفور إلى أن تركيا تحتفظ بأقوى قوة بحرية، فيما إسرائيل لديها أقوى سلاح جو. وكل منهما ترى الأخرى قوية بما فيه الكفاية لمعاداة الأخرى. وأوضح المركز أن إسرائيل حتى تحمي نفسها في منطقة لا تكن لها أي ود، عليها أن تحافظ على الأقل على “علاقة عمل” مع تركيا. بديل ذلك يعني – بحسب ستراتفور – أن عليها أن تتعامل مع قوة إقليمية كبرى في الوقت الذي تتعايش فيه مع دول عربية معادية لها إلى جوارها. بالعودة إلى الوراء قليلا، قال المركز إن إسرائيل كان عليها خلال العقدين الماضيين، التكيف مع طريقة تركيا في بناء علاقاتها الإقليمية. وهي طريقة ضمت الدخول في معارك مع إسرائيل خاصة حول معاملة سلطات الاحتلال للفلسطينيين وذلك حتى تجتذب الجمهور العربي. وبالنسبة لتركيا، أوضح ستراتفور أن علاقة إسرائيل مع فصائل كردية بعضها مسلح تصطدم مع هدف أنقرة في إضعاف قيام دولة كردية محتملة على حدودها بالشكل الذي يهدد تركيا نفسها. ومن شأن إبقاء إسرائيل قريبة مع تركيا أن يساعد في منع تل أبيب من تسليح تلك الفصائل الكردية مرة أخرى. يقول المركز إن أهداف تركيا وإسرائيل الإقليمية تتداخل رغم الاختلافات، خاصة عندما يتعلق الأمر باحتواء نفوذ إيران. وهذا يظهر بشكل أوضح في الصراع السوري، حيث تريد تركيا وإسرائيل أن تبتعد دمشق عن طهران وتتقارب مع أنقرة. “في حين أن إسرائيل معنية بالدرجة الأولى باستقرار أركان سوريا التي تؤثر على حدودها، إلا أن الوجود الإيراني هناك يزعزعها. مثل روسيا، يمكن لتركيا أن تؤثر على الوجود الإيراني لكنها لا تستطيع السيطرة عليه. وتعرف إسرائيل أيضا أن تركيا، وهي ناشطة في سوريا أكثر من أي قوة أخرى، ذات أهمية بالغة لضمان بقاء الجماعات المتمردة هناك بعيدة عن الفصائل المتطرفة”. في لبنان، يقول المركز إن الدولتين سعتا إلى كبح نفوذ حزب الله، وإن بوسائل مختلفة. فإسرائيل تحارب حزب الله من وقت لآخر، وتبقي على توسعها العسكري تحت السيطرة. أما تركيا فقد اختارت اتباع نهج أكثر دقة وتدرجا من خلال دعم القوى السياسية والأمنية المعارضة لإيران، ومقاومة حزب الله وغيره من حلفاء طهران.
العلاقات الاقتصادية يقول ستراتفور إن تحسن التجارة بين إسرائيل وتركيا هو الهدف الأكثر عمقا، مشيرا إلى أنه حتى في أوقات الخلاف الدبلوماسي، استمرت أعمال الاستيراد والتصدير قائمة على قدم وساق بين البلدين. أوضح أن إسرائيل تستورد ما قيمته ثلاثة مليارات دولار من المواد الخام والسلع المصنعة، مثل الأسمنت والصلب والطماطم، من تركيا، التي تبرز هشاشتها الاقتصادية الحالية أهمية علاقتها التجارية. وتساعد تلك الواردات في ضمان أن تحصل الشركات الإسرائيلية على إمدادات ثابتة من المواد. وبالنسبة لتركيا، فقد لعبت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية دورا مهما في العلاقات بين الدولتين. يقول ستراتفور إن تجارة الأسلحة لاتزال مجالا واعدا للتعاون بين أنقرة وتل أبيب رغم نضج صناعة الأسلحة التركية بشكل كبير خلال العقد الماضي. هناك أيضا مجال الطاقة، والذي قد يبرز في نهاية المطاف كمنطقة أخرى للتعاون، بحسب المركز. فإسرائيل وتركيا تتنافسان على استكشاف الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، حتى أنهما بحثتا قبل عدة أعوام إمكانية بناء خط أنابيب يربط بينهما. بيد أن الصفقة بين شركة نوبل أنرجي وديليك درينليغ الإسرائيلية وشركة غاز شرق المتوسط المصرية والتي تم توقيعها في سبتمبر 2018، لتوصيل الغاز من حقلي تمار وليفياثان في إسرائيل ومصر، إضافة إلى صعوبة بناء خط الغاز في الأراضي القبرصية المتنازع عليها، أحبطت أية أحلام في بناء خط غاز بين إسرائيل وتركيا في المدى القريب.
أحدث انقسام قال ستراتفور إن انهيار العلاقات بين إسرائيل وتركيا في مايو 2018 كان مجرد انقطاع دوري في العلاقات المتوازنة بعناية. ولفت المركز إلى أن قرار الولايات المتحدة في ديسمبر 2017 نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، أدى إلى تفاقم القضية الأكثر إثارة للجدل بين تركيا وإسرائيل: الصراع الفلسطيني. في مايو 2018، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بالإبادة الجماعية وطرد السفير الإسرائيلي إيتان نيه بعد مقتل عشرات الفلسطينيين في اضطرابات في غزة مدفوعة جزئيا بنقل السفارة. يقول المركز إن الخطاب التركي اللاذع بشأن أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين أصبح أمرا مألوفا في عهد أردوغان، إذ تسعى تركيا لأن تلعب دور البطولة في القضية الفلسطينية لأن ذلك يعزز من مكانة أنقرة ونفوذها القيادي في العالم الإسلامي. كما أن قيام أردوغان بدوره في رعاية الإسلام السياسي يعزز من صورته القوية في الداخل وبالتالي ترسيخ شرعيته. أما إسرائيل، يقول ستراتفور فإن تركيزها ينصب في المقام الأول على أمنها، وما إنكارها قيام دولة فلسطينية إلا وسيلة لضمان ذلك الأمن والاستقرار. ولفت المركز إلى أن المدى الذي قد تذهب إليه تركيا في دفاعها عن الحقوق الفلسطينية يبقى غير متوقع إلى حد ما. وأضاف المركز أن إسرائيل بإمكانها التعايش مع أي خطاب لاذع من جانب تركيا، فقد اعتادت على ذلك. لكن أي تدخل جديد من الحكومة التركية في الأراضي الفلسطينية المضطربة من شأنه أن يكون مزعجا للغاية لإسرائيل القلقة من التمويل التركي للجمعيات المدنية والإسلامية في القدس الشرقية، ذلك الدعم الذي يهدف في الأساس إلى تعزيز القوة الناعمة التركية هناك في منافساتها مع الدول العربية في قطر والمملكة العربية السعودية ومصر.
الدور الأمريكي قال مركز ستراتفور إن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية يمكن أن يحفز الانقسام التركي الإسرائيلي الأخير، ويؤكد من ناحية على تأثير الولايات المتحدة في العلاقات المثيرة للجدل بين أنقرة وتل أبيب. وأشار المركز إلى أن الولايات المتحدة لعبت في السابق دورا رئيسيا في الجمع بين الدولتين، ففي 2013، ضغط الرئيس باراك أوباما على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاعتذار عن مقتل النشطاء الأتراك الذين قتلوا عندما اعترضت إسرائيل “أسطول حرية غزة” في عام 2010 ووافقت على تعويض عائلاتهم. ويضيف ستراتفور أن الولايات المتحدة بحاجة الآن إلى التعاون مع تركيا وإسرائيل ونسج علاقة عمل مع كليهما، كما جرى أثناء الحرب الباردة، وذلك لموازنة إيران وخفض الأعباء على كاهل الولايات المتحدة. وأوضح المركز أن الضغط هذه المرة سيكون على تركيا بسبب تفاقم مشاكلها الاقتصادية. رغم تراجع زخم العلاقات الأمريكية التركية، إلا أن واشنطن ستواصل تشجيع أنقرة على العمل مع تل أبيب. في الوقت نفسه، تمر الولايات المتحدة وإسرائيل بفترة غير معتادة في العلاقات بينهما، الأمر الذي قد يشجع إسرائيل في سياساتها الإقليمية والمحلية. وقد استغلت إسرائيل ذلك وضغطت على الولايات المتحدة بشأن تركيا، في صفقة بيع الطائرات المتقدمة إف-35.
المضي قدما يقول تقييم ستراتفور إن الإجراءات التركية قد تعرقل حدوث تقدم في العلاقات مع إسرائيل رغم أن معظم المؤشرات تشير إلى مصالحة بين البلدين في نهاية المطاف. أوضح المركز أن أنقرة لا تزال تبحث عن طرق أبعد من الخطاب لإعادة إدراج نفسها في القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن اقتراح أنقرة إنشاء ميناء بحري في غزة، والذي من شأنه أن يسهل وصول المساعدات التركية إلى المنطقة، يمكن أن يحقق بعض التقدم في ذلك الجانب. كما أن تركيا ستمضي قدما في نسج علاقات في القدس الشرقية، على أمل أن تفضل إسرائيل إشراكها هناك بدلا من القوى الأخرى. لكن من المرجح أنها لن تقدم التمويل إلا بموافقة تل أبيب. خلاف ذلك، يمكن تقييد استئناف العلاقات الدبلوماسية. وخلص المركز إلى أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل ستبقى في الوقت الراهن “برغماتية وشبه تجارية”، وستبقى أيضا رهنا بتأثير الأحداث في المنطقة. قد يفتح التقارب الفرص الاقتصادية أمام الشركات الإسرائيلية التي تتطلع إلى الاستثمار في تركيا الضعيفة اقتصاديا. واختتم المركز قائلا: “يمكن توقع استمرار الحوار بين البلدين حول مستقبل سوريا وحول سبل عزل النفوذ الإيراني هناك. وتظل هاتان المسألتان، التجارة وإيران، في صميم علاقتهما مرة أخرى”. Omar_najib2003@yahoo.fr |
شبكة البصرة |
الخميس 18 جماد الاول 1440 / 24 كانون الثاني 2019 |
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط |