|
|||||||
|
.. فلمن يا فتنة الروح نغني؟!
استعادة لصرخة ادوارد سعيد الأخيرة قبل الطوفان |
||||||||||||||||
شبكة البصرة | ||||||||||||||||
بقلم: السيد زهره
|
||||||||||||||||
قد تستغرب عزيزي القاريء اذا قلت لك ان المسودة الأولى لهذا المقال كتبتها قبل اكثر من 14 عاما. كتبتها تحديدا في مساء يوم 25 يناير عام 2003. اعدت كتابته بعد ذلك اكثر من مرة، لكنني كنت اتركه جانبا. وقد تستغرب اذا قلت لك انني في كل مرة لم اكن اكمل المقال وانشره لا لسبب سوى انني كنت اشعر بألم ووجع في القلب يفوق الوصف والاحتمال.
الذي حدث انني في ذلك اليوم، قرات مقالا كتبه المفكر الكبير الراحل الدكتور ادوارد سعيد، ونشرته صحف عالمية كثيرة بتاريخ 25 يناير عام 2003. كان عنوان المقال: “متى سنقاوم؟” مع عنوان فرعي “الولايات المتحدة تستعد للهجوم على العالم العربي والعرب يئنون في ذل وخضوع”. لم يكن هذا مقالا عاديا. كان في حقيقة الأمر بمثابة وصيته الأخيرة – وقد توفي بعد كتابة هذا المقال بستة اشهر-،.. كان صرخة عربية مدوية لمفكر مهموم بحال الأمة قبل الرحيل. حين كتب ونشر هذا المقال، كان العالم كله يعرف ان الهمجية الأمريكة تسعد لغزو واحتلال العراق. بالنسبة لادوارد سعيد، لم يكن الأمر يتعلق فقط بعدوان على بلد عربي مستقل، وانما كان يتعلق بطوفان على شوك ان يجتاح كل الأمة العربية، ولهذا اطلق صرخته. اليوم، نجد انفسنا بحاجة الى استعادة نفس الصرخة، وبنفس مفرداتها. ***
أرجو ان تتأمل عزيزي القاريء جيدا ماذا كتب ادوراد سعيد في صرخته. وهذه ترجمتي لجوهر ما قاله: كتب يقول التالي: يفتح المرء جريدة “نيويورك تايمز” يوميا ليقرأ آخر الأخبار والتعليقات حول الاستعدادات في أمريكا لشن الحرب.. اخبار حول حشد عسكري هائل، حاملات طائرات، وصواريخ كروز، وطائرات حربية، وفرق من الجنود، يتم ارسالها الى منطقة الخليج استعدادا للحرب. الاستعدادات لشن الحرب تمضي على قدم وساق على الرغم من انها لا تحظى بتأييد الرأي العام، وعلى الرغم من انه لا توجد أسلحة دمار شامل عراقية يمكن الحديث عنها. يحدث هذا في أمريكا. اما في العالم العربي والاسلامي، فان الموقف أكثر غرابة. لمدة عام كامل الآن، يوجه الساسة الأمريكيون، والخبراء الاقليميون، ومسئولو الإدارة الأمريكية، والصحفيون، اتهاماتهم المتكررة الى الإسلام والعرب. الكل يقول ان الإسلام بحاجة الى الإصلاح، وان النظام التعليمي العربي كارثة، وان العرب متخلفون عن العالم كله في الديمقراطية وكل شيء. العرب الوحيدون “الجيدون” بالنسبة لهؤلاء هم الذين يظهرون في أجهزة الاعلام يدينون الثقافة العربية المعاصرة، والمجتمع العربي بلا أي تحفظ. انني استعيد دوما نغمة هؤلاء والتعبيرات التي يرددونها ولا يجدون فيها أي شيء إيجابي يقولوه عن انفسهم او عن شعبهم. انهم يرددون كالببغاوات نفس الكلام الذي يردده الأمريكان، ونفس الاتهامات التي يقولونها بلا توقف في صحافتهم وأجهزة اعلامهم… يقولون اننا نفتقد الديمقراطية، واننا لا نقوم بما يكفي لتحدي الإسلام، واننا يجب ان نفعل المزيد كي نبتعد عن القومية العربية وعقيدة الوحدة العربية. ويصر هؤلاء على ان كل ما يقولونه هم والذين يوجهونهم في أمريكا عن الإسلام والعرب، صحيح تماما. هذا على الرغم من انه كلام غامض وكليشيهات فارغة يتم إعادة تدويرها ويرددها أمثال برنارد لويس. يقولون اننا نحتاج الى ان ننضم الى الحداثة، علما ان الحداثة بالنسبة لهم هي غربية فقط. ان صدام الحضارات الذي يحاول جورج بوش واتباعه الترويج له كغطاء للحرب على العراق والسعي الى الهيمنة في المنطقة، من المفترض ان تنتهي كما يزعمون بانتصار الديمقراطية، وبناء الدولة، وتغيير النظام، وفرض الحداثة الأمريكية. حقيقة الأمر ان هذه الحرب هدفها اسقاط صدام، ورجاله، وان يقود هذا الى إعادة رسم خريطة المنطقة كلها، والى سايكس بيكو جديدة، ووعد بلفور جديد. في ظل كل بانوراما الخراب هذه، فان الأمر الصادم هو هذه السلبية المطلقة، وهذا العجز الكامل للعالم العربي ككل. ان الحكومة الأمريكية وخدامها، يصدرون البيان تلو البيان، وينقلون قواتهم وطائراتهم ومدمراتهم ودباباتهم الى المنطقة، لكن العرب، فرادى ومجتمعين عاجزين عن مجرد ان يعلنوا رفضهم. لماذا هذا الصمت وهذا العجز المذهل؟ ان اكبر قوة في التاريخ على وشك ان تشن حربا على دولة عربية مستقلة.. حرب هدفها ليس فقط تدمير نظام البعث، ولكن أيضا إعادة تشكيل المنطقة كلها. والبنتاجون لم يعد يخفي خططه لاعادة رسم خريطة العالم العربي كله، وربما تغيير أنظمة عربية اخرى، وتغيير حدود الدول. لن يكون احد بمنجى من هذا الطوفان حين يأتي. ورغم هذا، لا يوجد الا الصمت الطويل. ان ملايين العرب سوف يتأثرون ويدفعون الثمن، وامريكا تتعامل مع الأمر باحتقار ولا تهتم حتى بأن تستشير العرب. هل نستحق هذه المعاملة العنصرية المهينة؟ هذا ليس امرا مرفوضا فقط، بل انه يستعصي على التصديق. كيف يمكن لأمة عدد ابنائها 300 مليون عربي ان تظل هكذا مستكينة تنتظر تلقي الضربات لاسقاطها ارضا من دون ان تحاول بشكل جماعي اطلاق صيحة مقاومة؟ هل الإرادة العربية لم يعد لها وجود نهائيا؟ حتى السجين الذي ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، لديه كلمات أخيرة يقولها. لماذا ليست هناك شهادة على حقبة من التاريخ؟.. لماذا ليست هناك شهادة في حق حضارة على شك ان يتم سحقها؟.. لماذا لا توجد شهادة في حق مجتمع، ورغم عيوبه واوجه ضعفه، يحيا ويعمل؟ كل ساعة يولد أطفال عرب.. الأطفال العرب يذهبون الى المدارس.. الرجال والنساء يتزوجون ويعملون ولديهم أطفال، ويلعبون ويضحكون ويأكلون، ويحزنون، ويعانون من الأمراض. يوجد حب وتراحم، وصداقة. نعم، العرب مضطهدون، ويخضعون لحكم سيء، لكنهم قادرون على المضي قدما في الحياة والعمل رغم كل شيء. هذه هي الحقيقة التي يتجاهلها القادة العرب والأمريكان حين يتحدثون عن “الشارع العربي” هذا التعبير الذي اخترعه المستشرقون التافهون. من الذي يسأل اليوم الأسئلة الوجودية المصيرية عن مستقبل الشعب العربي؟.. هذه مهمة لا يمكن ان تترك للمتطرفين الدينيين، ولا للخاضعين التابعين. التكنولوجيا، والحداثة، والعولمة، لا تقدم إجابات على ما يهددنا اليوم كشعب عربي. لدينا في تراثنا العربي المكتوب، تراث كامل يعالج قضايا مثل، المقدمات والنتائج، والحياة والموت، والحب والغضب، والمجتمع والتاريخ. كل هذا موجود، لكن لا يوجد صوت واحد، ولا فرد واحد لديه رؤية عظيمة وسلطة أخلاقية قادر اليوم على اماطة اللثام عن كل هذا ولفت الانتباه اليه. نحن على اعتاب كارثة مروعة. لكن، من المسئول عن حاضرنا، وعن دنيانا اليوم، وعن ارضنا، ومياهنا، وهوائنا، وحياتنا ووجودنا؟.. لا يبدوا ان هناك احد مستعد لتحمل المسئولية. هناك تعبير يعبر بشكل دقيق ومؤلم جدا عن حالنا اليوم.. يعبر عن سلبيتنا وعجزنا، وعدم قدرتنا عن مساعدة انفسنا الآن في الوقت الذي نحتاج فيه الى كل ما نملك من قوة. هذا التعبير هو: هل يتفضل آخر شخص يغادر بأن يطفيء النور رجاء؟ الم يحن الأوان بعد للعرب لأن يقوموا بصياغة بديل عربي اصيل لهذا الطوفان من الخراب والدمار الذي يوشك ان يجتاح عالمنا العربي؟.. الن يأتي احد الى دائرة ضوء النهار ليطرح رؤية لمستقبلنا لا تكون مستقاة من السيناريو الذي رسمه دونالد رامسفيلد وبول ولفويتز؟.. ***
هذا عزيزي القاريء ما كتبه ادوارد سعيد قبل أكثر من 14 عاما.. هذه هي الصرخة المدوية الأخيرة التي اطلقها قبل الطوفان كما قال. ما الذي حدث بعد ذلك وحتى اليوم؟ الذي حدث على نحو ما نعلم جميعا ان الطوفان اجتاحنا بالفعل، وما زال يجتاحنا. الطوفان بدأ بغزو واحتلال العراق وما ارتبط به من دمار رهيب حل بالبلاد، ومن تدمير للدولة، ومن اطلاق لشيطان الطائفية من عقاله، ومن إرهاب اسود تتالت فصوله من القاعدة، الى داعش، الى المليشيات الطائفية. وامتد طوفان الخراب الى دول عربية أخرى.. سوريا وليبيا واليمن. وبلغ الطوفان ذروته مع أحداث ما اسمي “الربيع العربي”. كان المخطط هو ان يكون هذا “الربيع” ذروة الدمار والخرب لكل الدول العربية بلااستثناء. كان المخطط هو ان يكون هذا “الربيع” هو المحطة الأكبر على الاطلاق على طريق تنفيذ المخطط الذي حذر منه ادوار سعيد وغيره مبكرا، أي اسقاط النظم، وتدمير الدول والأمة، وإعادة رسم خريطة المنطقة بالكامل. دولتان عربيتان يعود لهما الفضل في وقف هذا المخطط مؤقتا، هما البحرين ومصر. البحرين بتصديها للمؤامرة الطائفية حمت كل دول الخليج العربية. ومصر بثورة 30 يونيو وجهت ضربة كبرى للمخطط بشكل عام. ومع هذا، لا يستطيع احد ان يقول ان المخطط انتهى. نحن نرى الطوفان، مازال يجتاحنا. دول عربية ما زال يجري تدميرها امام اعيننا. والأمر المؤكد ان القوى والدول المتآمرة تخطط مجددا لاعادة اطلاق المؤامرة على نطاق أوسع. واليوم، وبعد كل ما جرى، ورغم هاذ الطوفان الذي اجتاحنا، نجد أنفسنا في نفس الموقع الذي اطلق منه ادوارد سعيد صرخته. نجد انفسنا بحاجة الى إعادة اطلاق نفس الصرخة مجددا، ذلك انه لم يتغير شيء مما قاله وحذر منه. ما زلنا نشهد كما قال صمتا عربيا رهيبا، واستكانة وعجزا عربيا في مواجهة الطوفان الذي يجتاح الأمة. ما زلنا لا نلمس ملمحا لإرادة عربية جماعية للرفض والمقاومة. ما زلنا نفتقد أي رؤية عربية موحدة، واي مشروع عربي في مواجهة ما جري للأمة، ولكيفية حماية دولنا. ما زلنا لا نعرف كما قال أحدا مسئولا عن هذه الأمة.. مسئولا عن الدفاع عن حضارتها وتاريخها ووجودها ذاته. لا نعرف قيادة موحدة، ولا توجد قوة عربية موحدة يمكن ان نراهن عليها. كل هذا على الرغم من انه كما قال، فانه امام اعيننا تجري عملية إبادة لحضارتنا، وتدمير لدولنا، وتشريد لشعوب عربية بأسرها. ***
حين كنت اقرأ مقال ادوارد سعيد قبل أكثر من 14 عاما، كنت بالمصادفة استمع في نفس الوقت، الى قصيدة “اشواق” البديعة يتغنى بها الموسيقار الكبير رياض السنباطي بصوته الآسر الشجي. وتوقفت حينئذ عند المقطع الذي يقول فيه: إن يكن قلبك لا يسمع لحني .. فلمن يا فتنة الروح أغني ساعتها، ووسط كل مشاعر الحزن والألم التي تملكتني مما كتبه أدوار سعيد ومن حال الأمة كما وصفه، فكرت.. لعل في هذا المقطع بالذات خلاصنا. فكرت: انا وكل المواطنين العرب أبناء هذه الأمة، ليس لنا فتنة للروح الا أوطاننا العربية.. كل اوطاننا العربية. نحن أبناء أمة عربية واحدة.. نحن أبناء 22 دولة عربية، هي كلها أوطاننا نفخرب الانتماء اليها، ومحظوظون بالانتماء اليها. أوطاننا هذه هي فتنة روحنا.. وهي ان كانت بحاجة الى شيء اليوم، فهي احوج ما تكون الى ان نحبها ونتعلق بها. نحب أوطاننا ونتعلق بها كما هي.. بكل مافيها.. بكل ما لها وما عليها.. بكل ما فيها من جمال ومن قبح، ومن سلبيات ومن إيجابيات. نعم.. اوطاننا فيها الكثير مما لا نحب ومما نغضب منه ولا يرضينا.. فيها فساد.. وفيها حكم غير رشيد.. وفيها تخلف فكري وسياسي.. وقل مثل هذا ما تشاء. لكننا نحبها ونتعلق بها لأنها ببساطة اوطاننا.. ليس لنا اوطان غيرها.. ليس لنا امة غير امتنا العربية. ليس هذا فحسب. الأمر كما قال ادوارد سعيد بعبارات بديعة مؤثرة.. اوطاننا العربية جميلة.. جميلة بحضارتها وتاريخها وتحضرها.. جميلة بأطفالها الذين يولدون ويتعلمون ويتطلعون الى مستقبل اجمل.. جميلة بشعوبها الصابرة التي تكافح وتعمل وتتحمل الشقاء والظلم والمعاناة.. جميلة بقدراتها الرهيبة والتي تمتلكها والتي ليست بحاجة الى شيء سوى حشدها دفاعا عن الأمة. حبنا لأوطاننا العربية وتعلقنا بها هو الذي سيوقف هذا الطوفان.. هو الذي سيحميها من جيوش الظلام ومن قوى الشر والعدوان الهمجية التي تريد لنا الفناء. ليس هذا كلاما انشائيا. حبنا لأوطاننا وتعلقنا بها يعنى ولاء مطلقا لها.. يعني أننا، قادة، ومثقفين وساسة، ومواطنين، سنفعل كل ما يجب ان نفعله دفاعا عنها وحماية لها. لو ان قادتنا احبوا اوطاننا حقا، فسيعني هذا حتما السعي الى تأسيس حكم رشيد، والى تنحية الخلافات جانبا، والى العمل على حشد القوى العربية وبناء جبهة موحدة قوية دفاعا عن الأمة. لو أن مثقفينا وساستنا احبوا اوطاننا حقا، فسوف يكرسون جهودهم من اجل صياغة بديل عربي ومشروع عربي موحد لحماية الأمة ويضغطون على القادة من اجل تبنيه. لو ان المواطنين العرب احبوا اوطاننا حقا، لتفانوا في عملهم من اجل بنائها، ولجعلوا ولاءهم الوطني لها هو الأعظم من أي انتماء آخر، طائفي او غير طائفي، ولكانوا على استعداد لأن يفدوها بارواحهم. ***
أوطاننا العربية تمر بأخطر مرحلة في تاريخها على الاطلاق.. مرحلة أن تكون او لا تكون بالمعنى الحرفي.. أن توجد او لا توجد أصلا. نحن أبناء هذه الأمة، حكاما ومحكومين، شهود على هذه المرحلة. والتاريخ لن يغفر ابدا لأحد ان نحن فرطنا في أوطاننا في مواجهة هذا الطوفان الهادر. |
||||||||||||||||
شبكة البصرة | ||||||||||||||||
السبت 9 جماد الثاني 1439 / 24 شباط 2018 | ||||||||||||||||
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط |