هل يمكن إيجاد حل سياسي للصراع الدائر في شرق المغرب العربي؟
ليبيا وخطر تكرر مشهد الحرب شبه الدولية على أرض الشام
شبكة البصرة
عمر نجيب
هل سيمكن حل الأزمة الليبية بدون مزيد من الصراعات المسلحة وبصورة سلمية تعيد لهذا البلد استقراره؟
سؤال يطرح بإلحاح منذ اختتام مؤتمر برلين يوم 19 يناير 2020 الذي شارك فيه طرفا النزاع القائم، وهما المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي التابع للحكومة المنبثقة عن البرلمان المنتخب في 25 يونيو 2014 والتي يوجد مقرها في بنغازي، ورئيس حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس التي يرأسها فايز السراج والتي شكلت بناء على إتفاق الصخيرات بتاريخ 17 ديسمبر 2015 ولكنها لم تحصل على مصادقة مجلس النواب الليبي كما نص على ذلك الاتفاق الموقع في المغرب. إلى جانب طرفي النزاع حضرت عدة منظمات دولية، ومنها الأمم المتحدة وبعثتها إلى ليبيا، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، اضافة إلى 12 دولة منها مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن والدولة المضيفة ألمانيا وإيطاليا ومصر والجزائر وتركيا والامارات العربية المتحدة والكونغو، نظرا لأن الاتحاد الأفريقي كلف رئيسها دنيس ساسو نغيسو، قبل ثلاث سنوات، برئاسة لجنة رفيعة تعنى بالأزمة الليبية.
كثيرة كانت هي التصريحات التي صدرت بعد مؤتمر برلين الذي دام يوما واحدا، بعضها ظهر متفائلا، ولكن كانت هناك تحفظات من جانب أطراف رئيسية مرتبطة بالصراع خاصة وأنه لم تكن هناك التزامات واضحة أو أدوات تطبيق لما تم الإتفاق عليه، كما لم توجد آليات لفرض عقوبات على الأطراف التي تخالف مع ما تم التوصل اليه.
بشكل عام يمكن القول أن مؤتمر برلين وفر فرصا للتسوية في المستقبل غير المحدد زمنيا وفي نفس الوقت أعطى مخرجا لأطراف راهنت وتحدثت كثيرا عن التزامها بلعب دور حاسم في الصراع. غير أنه يشار أن الولايات المتحدة التي تريد اعطاء الانطباع بأنها لا تملك سياسة واضحة في ليبيا تلعب من وراء الستار لدعم أنقرة وحكومة السراج لأن ذلك ينطبق مع مخططها في نطاق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد.
الخبير في “معهد الشرق الأوسط” للأبحاث عماد الدين بادي اعتبر أن نتائج القمة “مخيبة” نوعا ما، وذلك بالنظر إلى عدم عكسها “أهمية المسؤولين” الذين شاركوا.
البيان الختامي
البيان الختامي لمؤتمر برلين دعا إلى تعزيز الهدنة في البلاد، ووقف الهجمات على منشآت النفط وتشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى ليبيا. ودعا المشاركون في المحادثات “إلى وقف كل التحركات العسكرية من قبل طرفي النزاع أو في إطار تقديم الدعم المباشر لأي من الطرفين على كل أراضي ليبيا منذ بداية عمل وقف إطلاق النار”، إضافة إلى “اتخاذ إجراءات تسهم في تعزيز الثقة بينهما مثل عمليات لتبادل الأسرى”.
وتعهد المؤتمرون بـ “الامتناع عن التدخل في النزاع المسلح أو الشؤون الداخلية لليبيا”، وتابعوا: “ندعو كل الأطراف الدولية إلى حذو حذونا”.
وشدد البيان في هذا السياق على “الدور المركزي للأمم المتحدة في دعم العملية السياسية الشاملة بين الأطراف الليبية ومصالحتها”.
وفي هذا السياق تعهد الموقعون على البيان “بالالتزام الصارم والكامل باحترام وتطبيق الحظر على توريد الأسلحة إلى ليبيا والذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 1970 الصادر عام 2011، والقرارات اللاحقة بشأن منع انتشار السلاح في ليبيا”، ودعوا “كل الأطراف الدولية إلى اتخاذ نفس الإجراءات”.
كما التزموا بتشديد إجراءات مراقبة تطبيق حظر السلاح وتعزيز آلية الأمم المتحدة الخاصة بضمان تنفيذ هذا القرار، مشددين على “ضرورة تجنب أي خطوات من شأنها تعميق النزاع”.
وحث المشاركون في المحادثات على “عملية تصريح شاملة ونزع السلاح للجماعات والتشكيلات المسلحة في ليبيا مع الدمج اللاحق لعناصرها في المؤسسات المدنية والعسكرية وأجهزة الأمن بشكل شخصي بناء على عدد قوام القوات المسلحة وتدقيق هوياتهم”، فيما دعوا الأمم المتحدة إلى دعم هذه العملية.
كما أكد الموقعون على البيان دعمهم لـ “إنشاء جيش وطني ليبي موحد وشرطة وقوات أمن موحدة تحت إدارة السلطات المدنية المركزية على أساس عملية القاهرة التفاوضية والوثائق المنبثقة عنها”.
وشددوا كذلك على أن “المؤسسة الوطنية للنفط تمثل شركة النفط الشرعية المستقلة الوحيدة بموجب القرارين 2259 و2441 الصادرين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، وأضافوا: “ندعو كل الأطراف إلى مواصلة ضمان أمن المنشآت والامتناع عن أي عمليات عدائية بحق المواقع والبنية التحتية النفطية”.
كما اقترح المشاركون في مؤتمر برلين في البيان “إنشاء آلية لإعادة الأعمار الاقتصادي لليبيا” تحت سيطرة الحكومة الموحدة في المستقبل بالتركيز على معالجة الأوضاع في مدن بنغازي ودرنة ومرزق وسبها وسرت والعاصمة طرابلس.
موسكو وواشنطن
سيرغي لافروف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الروسية أشاد بنتائج مؤتمر برلين، معتبرا إياه “خطوة صغيرة” نحو التسوية، رغم انعدام الثقة بين طرفي النزاع.
وفي مؤتمر صحفي عقد في برلين، قال لافروف إن الاجتماع كان “مفيدا بشكل عام”، مشيرا إلى أن جهود الأطراف المعنية الرامية إلى إطلاق حوار جدي وبناء بين طرفي النزاع الليبي لم تنجح بعد، “بسبب وجود خلافات كبيرة جدا في نهج الجانبين”.
وأعرب لافروف عن أمله بأن تسهم المقترحات والتوصيات التي خرج بها مؤتمر برلين في “دفع عميلة التسوية إلى الأمام وأن تساعد الأطراف الليبية على التوصل إلى اتفاق بشأن الشروط التي تتيح لهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات”.
وأشار لافروف إلى أن روسيا ومنذ البداية عملت بنشاط على إعداد المؤتمر وشاركت في جميع الدورات التحضيرية الخمس للاجتماع.
وأضاف أن “زعيمي طرفي الأزمة الليبية”، تم دعوتهما إلى هذا الاجتماع الدولي في برلين تلبية لطلب من روسيا، حيث تراجع منظمو المؤتمر عن فكرتهم الأولية بعدم دعوة حفتر والسراج.
ولفت إلى أن روسيا أصرت أيضا على توسيع دائرة المشاركين في المؤتمر، ودعوة ممثلين عن دول جوار ليبيا، مشيرا إلى أن “ضمان مصالحهم ومراعاة آرائهم أمر في غاية الأهمية كي تكون أي اتفاقات بشأن ليبيا نافذة”.
كما أصرت روسيا على إدراج النقاط الأساسية لمقررات مجلس الأمن الدولي الخاصة بليبيا في الوثيقة الختامية للمؤتمر، وعلى وجه الخصوص البند المشير إلى عدم وجود حل عسكري للأزمة الليبية والتأكيد على تقرير مصير البلاد بأيدي الليبيين أنفسهم بعيدا عن أي تدخل خارجي.
وأضاف لافروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شارك في المؤتمر أطلع الحضور على موقف موسكو حيال التسوية الليبية مع التشديد على أن الجانب الروسي “سيأخذ في الاعتبار آراء الليبيين” عند بحث قضيتهم في مجلس الأمن الدولي.
وقال لافروف إن البيان الختامي يؤكد وجوب تحقيق “وقف دائم” لإطلاق النار في ليبيا، وضمان حق جميع الأطراف الليبية والمكونات الإثنية والعرقية والسياسية في الإفادة من ثروات البلاد.
وأكد أنه سيتم رفع البيان إلى مجلس الأمن الدولي للبحث، وأن صيغة البيان تنطوي على ضرورة الحصول على موافقة الأطراف الليبية على التوصيات الواردة فيه قبل إحالته إلى مجلس الأمن.
وأضاف ”طرفا الصراع في ليبيا حققا تقدما بسيطا عن الاجتماع الذي جرى في موسكو في 13 يناير. اتفقا على أن يشارك كل طرف بخمسة ممثلين في لجنة عسكرية يتم تشكيلها بموجب مبادرة للأمم المتحدة“.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو صرح من جانبه إنه تم إحراز تقدم في قمة برلين نحو التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار في الحرب الدائرة في ليبيا. وقال للصحفيين أيضا إنه يأمل في أن تكون إحدى نتائج قمة برلين إعادة فتح منشآت النفط الليبية التي أغلقتها القبائل الليبية الموالية لخليفة حفتر قائد قوات الجيش الوطني الليبي.
ويشير مراقبون أنه ليلة عقد مؤتمر برلين صرح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية يوم السبت إن الصراع في ليبيا بات يشبه الصراع السوري بشكل متزايد، وأضاف للصحفيين المرافقين لوزير الخارجية مايك بومبيو عندما سئل عن فرص نجاح القمة ”أعتقد أنها معقدة للغاية وكل متشبث بموقفه لذا فإن توقعاتي متواضعة“.
فرسا والتدخل التركي
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يتهمه البعض ومنهم تركيا بدعم حفتر، دعا إلى الكف عن إرسال مقاتلين سوريين موالين لتركيا وجنود أتراك إلى طرابلس دعما لحكومة الوفاق. وأعلن ماكرون خلال المؤتمر “يجب أن أقول لكم إن ما يقلقني بشدة هو وصول مقاتلين سوريين وأجانب إلى مدينة طرابلس، يجب أن يتوقف ذلك”. وأضاف الرئيس الفرنسي “من يعتقدون أنهم يحققون مكاسب من ذلك لا يدركون المجازفات التي يعرضون أنفسهم ونحن جميعا لها”.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد صرح قبل ذلك “إن المتطرفين يخسرون مواقعهم في إدلب السورية، وهم ينتقلون إلى ليبيا من أجل مواصلة أعمالهم في هذا البلد”. وأضاف، أن ليبيا لا توجد بها دولة في الوقت الحالي، وأن الشعب الليبي سيخسر كثيرا إذا تكرر السيناريو السوري.
وحمل لافروف حلف شمال الأطلسي مسؤولية ما تشهده ليبيا، قائلا: “لقد قام الناتو بتدمير الدولة الليبية في سنة 2011، وما زلنا نعاني من هذه المغامرة غير القانونية حتى الآن”.
يذكر أن مسؤولا من الأمم المتحدة صرح يوم السبت إن 18 يناير أن ما يصل إلى ألفي مقاتل تدعمهم تركيا، وخاضوا الصراع في سوريا، انضموا للمعركة في ليبيا. وتمنح أنقرة 2000 دولار أمريكي لكل مقاتلي سوري يحارب تحت لوائها في ليبيا.
وفي وقت سابق رصد المرصد السوري المعارض ارتفاع عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب إلى ما لا يقل عن 1600 مرتزق من مقاتلي فصائل “السلطان مراد” و”سليمان شاه” و”فرقة المعتصم” الموالية لتركيا.
وقد جرى نقل هؤلاء من منطقة عفرين بعد تسجيل أسمائهم، وذلك “في مخالفة للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم التي صدرت عن الأمم المتحدة قبل نحو 30 عاما”، وفقا لتقرير المرصد.
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تحدثت، عن “خطوة صغيرة إلى الأمام”، وسط الإقرار بأنّه لا يزال هناك عمل كثير ينبغي إنجازه قبل الوصول إلى السلام.
رئيسا الوزراء الإيطالي والبريطاني عبرا بشكل خاص عن استعدادهما للمساهمة في مراقبة وقف إطلاق نار دائم في ليبيا في حال تم التوصل إليه.
وفي حين ينصب الاهتمام على التوصل إلى وقف لإطلاق النار من أجل استئناف المحادثات، يشعر الدبلوماسيون بالقلق من أن يستغل الجانبان المتحاربان أي فترة هدوء في القتال لإعادة إمداد الخطوط الأمامية.
وذكر دبلوماسي غربي لوكالة رويترز ”الجانبان وداعموهما ليسوا مستعدين لإلقاء السلاح“.
وبشأن حظر السلاح أعرب ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، عن ثقته بأنه من الصعب تطبيق حظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
وفي معرض رد بوغدانوف على سؤال صحفي في برلين، حول ما إذا كان هناك ما يكفي من الحظر الحالي على توريد الأسلحة إلى الأطراف الليبية أو ما إذا كانت هناك حاجة إلى تدابير إضافية، قال: “من الناحية النظرية بالطبع. تم اتخاذ قرار حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا في وقت ما. شيء آخر، هو أن من الصعب تطبيق قرار الحظر هذا، وأعني أن هناك قوى لا تعترف بالقانون الدولي، أو بقرار مجلس الأمن، فضلا عن المنظمات المتطرفة والإرهابية”.
يشار إلى أنه قبل أيام من بدء مؤتمر برلين صرح مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للجيش الليبي خالد المحجوب، إنه لا يمكن التفاهم مع الميليشيات المسلحة التابعة لقوات الوفاق التي تقاتل في العاصمة طرابلس إلا بالحل العسكري، بعد رفضها جميع الحلول السياسية والخيارات السلمية.
وأضاف المحجوب أنه عندما لا يتم الوصول إلى الحل عن طريق السياسية، لا مجال إلا للحل العسكري، لأن هذه الميليشيات المسلحة معروفة التوجه ولا يمكن التفاهم معها إلا بالقضاء عليها، مثلها مثل الإخوان لا تستمع إلى صوت السياسة والحوار ولا تفهم إلا لغة السلاح.
وتعليقا على فشل المحادثات بين طرفي النزاع في موسكو وانهيار اتفاق الهدنة، قال المحجوب “هم طلبوا الحوار والحلول السياسية بعدما أدركوا أنهم منتهون”، موضحا أن المنتصر هو الذي يفرض شروطه وليس الخاسر.
مليشيات طرابلس
المتشككون ليس فقط في إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية، بل في فرضية وقف طويل للمواجهات العسكرية، يشيرون إلى أنه لم يظهر بعد مؤشر على أن حكومة تركيا قد تخلت عن أهدافها في ليبيا رغم أن مؤتمر برلين قدم لها مخرجا خجولا من التزاماتها بدعم حكومة الوفاق، زيادة على ذلك فإن المجتمعين في العاصمة الألمانية تجاهلوا أن السراج لا يملك سلطة حقيقية على المليشيات التي تتحكم في العاصمة الليبية والتي تشكل جماعات ما يسمى بالإسلام السياسي الجزء الأكبر منها، وهذه القوى لا تقبل بغير السيطرة على السلطة في كل ليبيا لأن ذلك هو أهم هدف للتنظيم الدولي للاخوان لتعويض خسائرهم في مصر والسودان وسوريا ومناطق آخرى.
التنظيمات المسلحة المفترض أنها تحت إمرة السراج رفضت في السابق الالتزام بنصوص إتفاق الصخيرات وجزء من هذه النصوص كرر في بيان برلين حول جيش موحد وإنهاء فوضى المليشيات وحكومة مركزية قوية.
ويشير محللون إلى أن الرئيس التركي أردوغان، دعا في مقال نشره موقع بوليتيكو الإخباري يوم السبت 18 يناير، أوروبا إلى دعم تحركات أنقرة في ليبيا حيث تقدم أنقرة الدعم العسكري لحكومة السراج.
وأثار اردوغان دهشة البعض وسخرية آخرين حينما حاول تبرير دعوته بتحذير أوروبا من “الإرهاب” إذا سقطت حكومة الوفاق الليبية وقوله أن المنظمات “الإرهابية” ستجد موطئ قدم لها في أوروبا إذا سقطت حكومة السراج.
وكتب إردوغان في المقال أن فشل الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم المناسب لحكومة الوفاق الوطني الليبية سيشكل “خيانة لقيم أوروبا الأساسية، بما في ذلك الديموقراطية وحقوق الإنسان”.
وأضاف “ستواجه أوروبا مجموعة جديدة من المشاكل والتهديدات إذا سقطت الحكومة الليبية الشرعية. ستجد منظمات إرهابية على غرار تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، اللذين منيا بهزائم عسكرية في سوريا والعراق، أرضا خصبة للوقوف مجددا على أقدامهما”، وحذر مما سماه “تجدد الإرهاب الإسلامي”.
وذكر الرئيس التركي “ستكون مغادرة ليبيا وتركها تحت رحمة أمير حرب خطأ بأبعاد تاريخية”، في إشارة مبطنة إلى حفتر. وأضاف أن الحرب الليبية شكلت “اختبارا” للاتحاد الأوروبي لإظهار إن كان قادته سيتخلون عن مسؤولياتهم وسيقفون متفرجين أمام الأزمة. وقال “على الاتحاد الأوروبي أن يظهر للعالم بأنه لاعب معني في الساحة الدولية”.
وأضاف أردوغان “ستواصل تركيا البقاء في ليبيا إلى أن تصبح الحكومة الشرعية في أمان”. وأوضح أن أنقرة ستقف إلى جانب “إخوانها وأخواتها” في ليبيا، مشيرا إلى “الروابط التاريخية العميقة للغاية” بين تركيا وليبيا. وكان الرئيس التركي قد أشار في وقت سابق إلى أن تركيبة ليبيا السكانية تحوي مليون نسمة من أصول تركية. وهو ما أثار موجة من الغضب والسخرية والتنديد في الأوساط الشعبية والرسمية الليبية.
معلقون في برلين أشاروا أنه في الاتصالات الداخلية خلال الاجتماع تمت الاشارة إلى أن سيطرة المليشيات الداعمة إسميا للسراج على ليبيا ستعني نشر الارهاب إلى كل منطقة المغرب العربي والساحل، خاصة أن القوات التي نقلت من سوريا إلى طرابلس تنتمي إلى الجماعات الموصوفة بالمتطرفة مثل داعش والقاعدة والنصرة وأحرار الشام وغيرها. نفس المصادر أفادت أن وزير الخارجية الأمريكي لم يشاطر الأوربيين رأيهم بشأن خطر الارهاب.
وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد طالب بعقد اتفاقية هدنة في ليبيا وبآلية فعالة لمراقبة الوضع هناك.
وغرد بومبيو على موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي أنه اتفق على هذه المطالب مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في محادثاتهما التمهيدية قبيل المؤتمر.
أطماع قديمة
في تعليق على تحركات أنقرة قال الناطق باسم الحكومة الليبية المؤقتة في بنغازي، حاتم العريبي، إن ما يقوم به أردوغان حاليا في ليبيا هو مجرد تغطية سياسية على الأعمال التي يقوم بها بمساعدة تنظيم الإخوان في طرابلس منذ سنوات.
وأضاف العريبي، في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، أن الدعم التركي لهذه للميليشيات المسلحة في طرابلس وغيرها من المدن الليبية بدأ مع انطلاق الحرب على الإرهاب في مدينة بنغازي ضمن عملية الكرامة قبل سنوات، واستمر مع إطلاق الجيش الوطني الليبي معركة تحرير طرابلس في أبريل 2019.
وأكد الناطق باسم الحكومة الليبية المؤقتة أن دول الجوار أخذت مواقف حازمة في هذا الملف، وكان آخرها الموقف التونسي من أردوغان خلال زياته لها، و”محاولته إقحامها في الملف الليبي، واستخدام أراضي وموانئ ومطارات تونس معبرا للمرتزقة”، عل حد تعبيره.
ووصف العريبي محاولة أنقرة إقحام دول عربية في تدخلها في ليبيا “خطير جدا”، مؤكدا أن ذلك “يحتاج وقفة أكبر من جامعة الدول العربية، لا سيما وأن أردوغان بدأ في إرسال مرتزقته وقواته إلى ليبيا حتى قبل أن يصدق البرلمان التركي على ذلك”.
وأشار الناطق الليبي إلى الموقفين الفرنسي والإيطالي الرافضين لتدخل أردوغان في ليبيا، وإدانتهما إرسال قوات تركية إلى طرابلس لدعم الميليشيات المسلحة وحكومة فايز السراج.
وأوضح العريبي أن “اتفاق ترسيم الحدود الوهمي الذي وقعه السراج وأردوغان يقع في المنطقة الشرقية من ليبيا، وتحديدا في برقة، وهذه المنطقة غير خاضعة لسيطرة حكومة السراج ولا يستطيع الوصول إليها”.
وختم العريبي بالقول إن الحكومة المؤقتة طلبت من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي القيام بخطوات سريعة واستباقية من خلال سحب اعترافها بـ”حكومة السراج الانقلابية، وإدانة الحشد العثماني الموجود في طرابلس الذي يسانده أردوغان سياسيا وقطر ماليا”.
النفط والغاز والاستثمارات
نهاية شهر ديسمبر 2019 كشفت صحيفة “ديلي صباح” التركية المعارضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، أن الرئيس التركي يسعى بكل الطرق لاقتحام الساحة الليبية، والهيمنة على الثروات الليبية والعربية.
وأضافت تظهر هذه المحاولات المستميتة للتدخل في الشأن الليبي، من خلال الدعم الذي يقدمه أردوغان لحكومة فايز السراج في طرابلس، المدعومة من قبل ميليشيات إرهابية تحارب الجيش الوطني الليبي، وتكلل هذا التعاون بإبرام الجانبين مذكرتي تفاهم، الأولى تتعلق بتعيين الحدود البحرية، التي تنتهك سيادة وحقوق دول الجوار، والثانية تتعلق بالجوانب العسكرية والأمنية، التي تمهد بكل وضوح لوجود تركي عسكري على أراضي ليبيا.
وذكرت صحيفة “ديلي صباح”، أن المقاولين الأتراك امتلكوا مشاريع في ليبيا تصل قيمتها إلى 28.9 مليار دولار قبل تدخل الحلف الاطلسي، ولعل هذا هو الهدف الحقيقي وراء الدعم التركي الكبير لحكومة السراج التي تعهدت بالحفاظ على مصالح أنقرة، فخلال الأشهر الأخيرة، وصلت المحادثات التركية الليبية بشأن الجوانب الاقتصادية إلى ذروتها، قبل أن تعطلها معركة طرابلس التي أعلنها الجيش الليبي، لاستعادة العاصمة من قبضة حكومة السراج والميليشيات الإرهابية الموالية لها.
وأوضحت الصحيفة، أنه قبل شهر من إعلان الجيش انطلاق معركة تحرير طرابلس، اتفقت مجموعة عمل تركية ليبية، على استكمال المشاريع غير المنتهية للشركات التركية في ليبيا، ووقع أعضاء المجموعة على مذكرة تفاهم، لبدء محادثات بين الشركات وأرباب العمل. كما عقد اجتماع بين وزير التجارة التركي روهصار بيكان، ووزير التخطيط الليبي في حكومة السراج، طاهر الجهيمي، في وقت سابق من شهر ديسمبر 2019 لبحث أساليب التنفيذ.
غير أن مشكلة اساسية كانت تواجه تنفيذ الاتفاق وهي أن غالبية المشاريع التي يريد المقاولون الاتراك السيطرة عليها موجودة في مناطق تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي.
وتضيف الصحيفة أن تركيا تضع نصب أعينها شرق البحر الأبيض المتوسط الغني بأبار الغاز التي يتم التباحث حول استغلالها بين كل من قبرص واليونان ومصر، إذ تسعى تركيا أن يكون لها نصيب في تلك المنطقة رغم أن ذلك يخالف القانون الدولي.
حكومة السراج كادت تسقط
وكالة الانباء الالمانية “د ب أ” نقلت عن طارق مجريسي خبير الشؤون الليبية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، عند تقييمه للوضع الراهن في ليبيا قوله: “بسبب وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 12 يناير 2020، يوجد حاليا تعاف من الاشتباكات يبعث على التفاؤل. لكن الوضع لا يزال متوترا للغاية، لأن لا أحد يعلم إلى متى سيصمد وقف إطلاق النار، الذي يعتبر استثناء. الأشهر الماضية كانت مفزعة بسبب القصف المستمر والمتعسف”.
وذكر مجريسي أن حفتر يسيطر من ناحية الأرض حاليا على أكثر من 75 في المئة من الأراضي الليبية، موضحا في المقابل أن “الجزء الأكبر من ليبيا عبارة عن مساحات خاوية شاسعة ومناطق صحراوية… وحتى في المناطق التي يسيطر عليها حفتر، هناك تحالفات فضفاضة للغاية بين قوات تقوم في المعتاد الانتماء القبلي أو الهوية المكانية. ربما يسيطر حفتر على نصف السكان أو أقل. ويوجد غالبيتهم في شرق ليبيا”.
وعن الموقف الذي يذهب به رئيس الوزراء الليبي السراج إلى مؤتمر برلين، قال مجريسي: “حكومة الوفاق الوطني تذهب إلى برلين بقدر معين من الثقة في النفس يزيد بالتأكيد بوضوح عما كانت عليه قبل شهر. التزام تركيا بحمايتها ودعمها في حربها بدد شعورها بالانهيار الذي يتهددها، لكنها تريد التوصل إلى اتفاق، وتأمل في ضغط دولي”.
أما بالنسبة لحفتر، فيرى مجريسي أن الأمور أكثر صعوبة، حيث قال: “من الصعب عليه الموافقة على وقف إطلاق النار والاتفاق على تقسيم السلطة والانسحاب من خطوط النزاع التي يقف عندها حاليا. حفتر يخوض معركة صفرية، فبالنسبة له إما الحصول على كل شيء أو لا شيء”، موضحا أن “الموافقة على وقف إطلاق النار سيعني الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني والتواجد التركي”، وقال: “لا أعتقد أن بإمكانه قبول ذلك. سيبدو الأمر كهزيمة”.
وعما إذا كانت القوى المحلية في ليبيا ستلتزم باتفاق لوقف دائم لإطلاق النار، قال مجريسي: “بسبب غياب التضامن لدى الطرفين يظل عدم التزامهما بوقف إطلاق النار أمرا محتملا. إذا شعرت الفصائل بأن القوى الأعلى خانتها مقابل اتفاق وفقا لتصوراتها، فمن الممكن أن ترفض المشاركة فيه”.
وعن سبب عدم إحراز الأمم المتحدة حتى الآن تقدما في مساعيها نحو الوساطة، ذكر مجريسي أن “الأمم المتحدة تعبير عن التعددية. فلا يمكنها أن تكون فعالة، مثلما تأمل الدول المشاركة فيها، إلا بهذه الطريقة”، وقال: “لكن هناك لحظات يعمل فيها نظام الأمم المتحدة بكفاءة بالغة. مؤتمر برلين محاولة لنقل مسعاها إلى النظام العالمي”.
وبالنسبة لتوقعاته بشأن النتائج التي سيسفر عنها مؤتمر برلين، قال مجريسي: “المؤتمر سيدفع نحو التوصل لوقف دائم لإطلاق النار ونحو آليات لمراقبة وقف إطلاق النار وحظر توريد أسلحة لليبيا. لكن يظل من المشكوك فيه ما إذا كان المؤتمر سيكون له تأثير حقيقي على إنهاء الحرب. إلا أن هذا لا يعني أن المؤتمر ليس له قيمة، فكافة الدول المتدخلة في النزاع ستجلس سويا على طاولة واحدة. وقد يكون الإنجاز هو أن تتمكن هذه الدول من الاتفاق على تأسيس لجنة متابعة”.
وعن الدور المنتظر أن يضطلع به الاتحاد الأوروبي في ليبيا، قال مجريسي: “يوم الأحد من المفترض أن يكون بداية لسياسة استراتيجية جديدة وأكثر وعيا لأوروبا بشأن ليبيا. ليس بإمكان الاتحاد الأوروبي الاعتماد كثيرا على الولايات المتحدة مثلما كان الحال في الماضي. في هذه المرحلة تمثل ليبيا أول مهمة سياسية خارجية، وتحمل في هذا المفهوم دلالة رمزية للغاية. إذا لم تعثر أوروبا على موقف واضح في هذا الشأن، فلن يشكل ذلك خطرا حقيقيا عليها فحسب، بل إن ذلك سيفتح الباب أمام قوى إقليمية لممارسة نفوذ والمطالبة باستحقاقات في الفناء الخلفي لأوروبا. وستكون هذه سابقة خطيرة”.
يشار إلى أن مجريسي خبير في الشؤون الليبية والتطورات السياسية في العالم العربي لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ويتهم بأنه من أنصار جماعة الاخوان النشطة جدا في لندن وبرلين وعمل مع عدد من مؤسسات البحث الأمريكية الممول بعضها من طرف البنتاغون الأمريكي ومؤسسات أمريكية. وبدأ الباحث الليبي البريطاني مسيرته المهنية في طرابلس، حيث دعم مؤسسات عامة بأبحاثه عقب الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وفي عام 2014، عاد مجريسي إلى لندن. ومنذ ذلك الحين يقدم المشورة لمنظمات دولية خلال مهامها في ليبيا. وفي عام 2017 عمل لصالح مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على ما يعرف باسم “مبادئ بنهيرو” لرد المساكن والممتلكات للاجئين والنازحين لدى عودتهم إلى أوطانهم.
السلاح الاقتصادي
تقول مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن موقف ما يسمى بقوات حكومة الوفاق يزداد صعوبة ليس عسكريا فقط بل اقتصاديا كذلك رغم الدعم التركي القطري المباشر والتأييد الأمريكي غير المباشر، فقوات الجيش الليبي أصبحت تسيطر على ما يوازي 75 في المئة من أراضي ليبيا من الشرق على الحدود مع مصر مرورا بأغلب المدن الساحلية والهلال النفطي في الوسط وحتى تخوم مصراتة وطرابلس في الغرب حيث يعيش نصف سكان البلاد في حين يقطن النصف الآخر في العاصمة طرابلس ومصراتة.
فيوم الأحد 19 يناير ذكرت جماعة تمثل رجال القبائل في جنوب ليبيا إنها أغلقت حقلي الشرارة والفيل النفطيين الجنوبيين مما يعني فعليا وقف كل إنتاج النفط الليبي. وقال بشير الشيخ منسق حراك غضب فزان لرويترز إن الجماعة أغلقت الحقلين بعد أيام من إغلاق حقول في شرق البلاد.
ولم ترد تأكيدات مستقلة عن إغلاق الحقلين اللذين يضخان نحو 400 ألف برميل يوميا. وقال مهندس نفط تم التواصل معه بالهاتف إن صماما من الحقل أغلق.
وذكرت مصادر صحفية في العاصمة البريطانية: حمل إغلاق المنشآت النفطية في مواقع ليبية مختلفة عن طريق محتجين رسالة شعبية داعمة للجيش الوطني، الذي أعلن حمايته للقرار، باعتباره الجهة المحددة على الأرض، وأن بيده حماية تدفق النفط إلى الخارج، في خطوة قال مراقبون إن هدفها هو مؤتمر برلين في وقت تسعى فيه بعض الأطراف إلى المساواة في التعامل بين الجيش الذي يسيطر على أكثر من 75 بالمئة من الأراضي الليبية، وبين حكومة ما تزال تحتفظ بجيب محدود وبحماية مباشرة من تركيا.
وقال المراقبون إن ورقة النفط، فضلا عن القوة العسكرية والدعم الشعبي، كلها عناصر قوة تساعد المشير خليفة حفتر على التفاوض من موقف قوة، والقطع مع الدور الذي يراد له أن يلعبه من خلال حراسة منشآت نفطية تعود أغلب عائداتها إلى حكومة المجموعات المسلحة في طرابلس.
وتطالب فعاليات ليبية مختلفة بإيجاد آلية تتحكم بعائدات أموال النفط وعدم السماح لحكومة الوفاق بتوظيفها في شراء الأسلحة وتقديم الإغراءات لاستقدام مرتزقة أجانب، فضلا عن توقيع اتفاقيات مع تركيا والتلويح بتقديم مزايا وتعويضات لشركات تركية كانت خسرت مشاريع في ليبيا بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
وأعلنت مجموعة من أعيان القبائل شرق ليبيا، الجمعة، إغلاق الموانئ والحقول النفطية بسبب استخدام أموال النفط في جلب المرتزقة ولصالح المستعمر التركي، على حد وصفهم.
ومنع محتجون، يوم السبت 18 يناير، ناقلة نفط تابعة لشركة الخليج العربي للنفط من الرسو في ميناء حريقة بمدينة طبرق، وفقا لما قاله صلاح سكنديل، الموظف في شركة الخليج العربي.
وتوجد أكبر الحقول النفطية والموانئ في مواقع سيطرة الجيش، وهي تعمل بشكل طبيعي منذ عام 2016 وبلغت حجم إيرادات النفط لعام 2019 حوالي 42 مليار دولار، بحسب بيانات المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.
ليبيا افغانستان تركيا
في موسكو وفي نطاق العلاقات المتقلبة بين روسيا وتركيا وجهود الكرملين لإبعاد أنقرة عن لعب دور في مخططات البيت الأبيض، كتب المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف يوم 15 يناير 2020 مقالا تحت عنوان متى وكيف تدخل أمريكا الحرب في ليبيا؟. جاء فيه:
ربما كان الخاسر الرئيسي في اجتماع موسكو هو الطرف التركي، فهل تجرؤ أنقرة على المخاطرة بتدويل الحرب في ليبيا؟.
حول طاولة القمار، يمكن لأي شخص أن يجرب حظه بأقل الخسائر إذا ما راهن بثلاثة دولارات. ينطبق المبدأ نفسه على الوضع الليبي، الذي أصبح ساحة لكل من يريد التدريب على استخدام القوة والتأثير السياسي مقابل ثلاثة دولارات. فالرهان منخفض، وبإمكانك المغادرة في أي وقت تشاء، دون أن تخسر كثيرا.
لكن، يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قد قرر رفع رهان اللعبة. فهل سيغير ذلك من طبيعة الحرب في ليبيا، وهل يمكن أن تؤدي خطوة كهذه إلى مشاركة لاعبين جادين آخرين، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وهل تتطور الحرب في ليبيا إلى صراع دولي واسع النطاق؟.
لا شك أن عدم وجود موقف أمريكي واضح من الحرب الليبية هو ما يكسبها طابع المقامرة. حتى شجع صمت واشنطن، وتصريحاتها المقتضبة النادرة والمتناقضة، الحلفاء والدول التابعة على اتخاذ مواقف جريئة ودخول اللعبة باستقلالية. بل إن الوضع وصل إلى حد غير مسبوق، واتخذ عضوا الناتو والاتحاد الأوروبي إيطاليا وفرنسا موقفين على جانبي الصراع. ومع ذلك فهناك شك بأن فرنسا إنما تفعل ذلك كما تفعل دائما، كي تعلي من شأنها، فتتخذ موقفا مختلفا عن بقية الغرب، فترضي غرورها، ثم لا تلبث أن ترضخ في النهاية لجهود الإقناع من قبل الحلفاء.
بالطبع لا يمكن وصف اجتماع موسكو بين حفتر والسراج ناجحا. في رأيي أن موسكو، التي من الواضح على علاقة جيدة مع أحد الأطراف، ليست مستعدة لرفع الرهان، ومستعدة تماما للموافقة على أي شكل للتسوية، يوافق عليه الطرفان الليبيان المتنازعان. وهنا، في اعتقادي، يكمن استعداد موسكو للعب دور في المصالحة، والذي نشأ في أعقاب لقاء الرئيسين الروسي والتركي، وجهود موسكو أثناء لقاء السراج وحفتر فيها. لكن، وفي الوقت نفسه، وعلى عكس سوريا، لا تسعى روسيا إلى التدخل بعمق في العمليات الجارية، فالتكلفة يمكن أن تكون كبيرة، والفوائد المحتملة غير مضمونة. لذلك فمن غير المرجح أن تجد دعوة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن “تلعب روسيا دورا” صدى لدى الرئيس الروسي، ولن يتجاوز دور موسكو الجهود الدبلوماسية البحتة.
من هنا لم يكن اجتماع حفتر والسراج في موسكو بمثابة فشل لروسيا، بقدر ما كان فشلا لأردوغان، لأن قوات المشير حفتر لديها فرصة جيدة لقلب موازين الحرب على الأرض، وهو ما جعل أنقرة عاجزة عن إيقافه بأيد روسية، لتصبح الخيارات أمام تركيا ما بين الخسارة المحتملة لجميع الاستثمارات والممتلكات، أو الانتقال إلى مستوى جديد من الانخراط في الحرب، وتحمل العواقب المتعلقة بذلك.
إن من يرغب في رؤية تركيا تغرق في “أفغانستان” الليبية كثيرون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
والاحتكاك ما بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية كبير بالفعل، ويمكن أن يذهب لأبعد من ذلك. في الوقت نفسه، يعتبر الموقف الأمريكي من ليبيا متذبذبا. ومن المحتمل أن تكون واشنطن مدركة لعمق المستنقع الليبي، وتنتظر حل الأزمة، على أمل منطقي بأن المنتصر سوف يأتي إلى واشنطن، عاجلا أو آجلا، بالهدايا والمنح لتقديم فروض الطاعة والولاء. لا شك أن الشائعات حول مشاركة روسيا في الصراع الليبي قد تدفع واشنطن لدعم السراج، إلا أن إغراء إعطاء درس لأنقرة بتورطها في ليبيا هو الآخر كبير للغاية، طالما كان أردوغان يعتزم مواصلة شد الولايات المتحدة الأمريكية من شاربها. علاوة على ذلك، فإن نجاح أردوغان في ليبيا يمكن أن يؤدي إلى رفع سقف طموحات الزعيم التركي، وبالتالي استعداده لمواجهة الولايات المتحدة.
ربما كانت الحجة القوية الثانية التي يمكن أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية لدعم حفتر هي الرغبة في “عدم إرتماء المنتصر في حضن روسيا”، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تتحمل سوريا ثانية.
لابد من افتراض، في حالة المشاركة التركية المفتوحة، أن المساعدات المقدمة لقوات خليفة حفتر سوف تزداد. وفي رأيي إن رد فعل واشنطن قد يتسم بالقسوة الشديدة على تصرفات تركيا وعلى تغيير الوضع في ليبيا بشكل عام، بما في ذلك موقف أوضح للرئيس ترامب، الذي أظهر في أكثر من مرة استعداده لتجاهل الظروف واتخاذ خطوات جريئة جذرية.
في المقابل، تمر ألمانيا وأوروبا ككل بلحظات مزعجة، بينما ينهار الاتحاد الأوروبي ويتباطأ الاقتصاد أكثر فأكثر، وفي ظل ذلك، لن يكون تدفق موجة جديدة من المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا سوى تعقيدا جديدا لصراع ألمانيا من أجل الإبقاء على الاتحاد الأوروبي على قيد الحياة. لذلك فإن أي حكومة ليبية تتمكن من إيقاف الهجرة إلى أوروبا سوف تكون لديها فرصة جيدة للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي. في الوقت الذي لا تزال أوروبا تعتبر نفسها الضامن الوحيد المتبقي للديمقراطية الحقيقة، ولن يكون سهلا بالنسبة لها التوقف عن دعم حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. ومع ذلك فإذا كانت واشنطن ستدعم حفتر في النهاية، قد تبصق أوروبا من وراء ظهر ترامب، إلا أنها لن تملك في العلن سوى أن تجيب بـ “سمعا وطاعة”، ثم تبحث عن مكانها في مؤخرة القافلة.
بهذه الطريقة، يعتبر التدخل التركي خطوة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأنقرة، فمن الصعب أن نتخيل عدم إدراك الرئيس أردوغان لمغبة التورط في ليبيا، إلا أنه فيما يبدو لي يتبنى موقفا استعراضيا أكثر من استعداده لتنفيذ تهديداته على الأرض. ومع ذلك، ففي عالمنا المتغير، لا يمكن استبعاد شيء.
على أي حال، من غير المرجح أن تستطيع ليبيا التصرف كدولة موحدة في المستقبل المنظور. فالتدخل الأجنبي، والمواجهة التاريخية بين طرابلس وبرقة، والروح القبلية لن تترك فرصة كبيرة لقيام دولة مركزية مستقرة وقوية، وحتى الحسم العسكري لن يحقق استقرارا في ليبيا.
مع الإقرار بعدم كفاءة سياسته الاقتصادية، إلا أن العقيد الراحل معمر القذافي كان قادرا على الإمساك بوحدة ليبيا بالعصا والجزرة، إلا أن التدخل الغربي دمر الدولة الليبية الهشة، وربما إلى الأبد.
في ظل هذه الظروف، لا أعتقد أن لدى مؤتمر برلين فرصا كبيرة للنجاح.
Omar_najib2003@yahoo.fr
شبكة البصرة
الثلاثاء 26 جماد الاول 1441 / 21 كانون الثاني 2020
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط