هل ستسلم امريكا الوطن العربي لاسرائيل الشرقية ؟ ( ٢ )
شبكة ذي قار
صلاح المختار
٤ – يقول القاسم : ( ويقول الدكتور عبدالله الشايجي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت وهو متابع دقيق للسياسة الأمريكية إن تصفية سليماني مقدمة لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق وسوريا وتسليم المنطقة بالكامل لإيران.) ان هذا الراي يتناقض مع معطيات الواقع في ضوء ما يلي :
أ – سيسمح لروسيا والصين واطراف اقليمية بالتدخل اكثر في المنطقة وهذا يأكل من جرف امريكا وتتحول المنطقة من منطقة نفوذ امريكي غربي تقليديا الى منطقة نفوذ صيني روسي، وفقدان امريكا لامتياز الانفراد في ممارسة النفوذ، ولدينا امثلة واضحة مثل توجه السعودية وقطر والامارات والبحرين والكويت لاقامة علاقات وصفت ب ( الستراتيجية ) مع روسيا والصين،وهذا تحول اذا حصل سيكون ضربة شديدة القوة للوجود الامريكي في المنطقة ويعطي الصين وروسيا قدرة اكبر على محاصرة امريكا واضعافها.
ب – سيجبر استمرار التشرذم والانهيارات الكارثية حركة التحرر الوطني العربية على اعادة تنظيم صفوفها بطريقة تمكنها من تحقيق تقدم خصوصا مع تماهي المواقف الامريكية والصهيونية ،وهذا لا يخدم المصالح الامريكية، والدليل العملي وجود امكانيات شعبية هائلة كامنة للرفض الثوري هو انتفاضة العراق ولبنان والسودان والتي اصابت اغلب المراقبين بالدهشة بعد ان انتشرت فكرة موت الحركة الشعبية العربية.
ج – سيؤدي ذلك الى اعادة بناء الحركات الاسلاموية المسلحة بمعزل عن التاثيرات المخابراتية الغربية والصهيونية والايرانية على اجزاء منها، وهو حالها في السنوات السابقة وكان احد اهم اسباب دحرها، وستستخلص الدروس،خصوصا الامنية، فتصبح اكثر قوة،وهذا سيعرض اوروبا وامريكا لمخاطر اكبر.
د – الان امريكا تعد ل ( الشرق الاوسط الجديد ) ليضم الاسرائيليتين الشرقية والغربية وتركيا بعد تغييرات سياسية في طهران وانقرة،لمواجهة التوسع الروسي والصيني وهو ما يعزز حاجة امريكا للبقاء.
هـ – ان فكرة الانسحاب الامريكي من العالم تبدو ساذجة لمن يعرف مقومات الاقتصاد الامريكي وصلته بالعالم،فالاقتصاد الامريكي قائم منذ تفاقم الازمة البنيوية على الدفق الخارجي الى الداخل اكثر من ماهو قائم على الدفق الداخلي الى الخارج، والقواعد الامريكية المنتشرة في العالم اقيمت لحماية الدفق الخارجي وزيادته،ويقصد بالدفق عمليات السيطره على منابع الثروة في العالم واسواقه،وبدون الدفق الخارجي سوف ينهار الاقتصاد الامريكي،واحد مظاهر ذلك ان امريكا مدينة للعالم بترليونات الدولارات منذ تخليها عن اتفاقية بريتون وودز.وهنا نرى ان الاقتصاد الامريكي رهينة تواصل النهب الامريكي في الخارج،ولذلك فان احد اهم الاليات –الميكانزمات – التي تتحرك بها وفوقها امريكا هي التوسع الخارجي وليس تقلصه، وما ان تتوقف امريكا عن التوسع الخارجي سياسيا وعسكريا حتى تبدأ عملية انهيارها من الداخل وتقسيمها الحتمي، وتذكروا ان امريكا ليست دولة امة لانها ليست امة بل تجمعات بشرية في شركة عظمى معقدة التنظيم.
٥ – ويقول القاسم ( صحيح أن إيران فقدت قائداً شهيراً، لكن اللعبة الأمريكية أنهت في الوقت ذاته الثورة العراقية على ملالي إيران، وجعلت الانتفاضة اللبنانية على حزب الله أثراً بعد عين، ناهيك عن أن الضربة الأمريكية دفعت الإيرانيين الذين كانوا منتفضين في الشوارع قبل أسابيع يلتفون حول نظامهم المترنح.لقد جاءت تصفية سليماني كقبلة الحياة بالنسبة للنظام الإيراني ) ، ان هذا الكلام للدكتور القاسم غريب جدا لانه يتناقض جذريا مع احداث الواقع المنظور! ففي يوم الجمعة ١٠ – ١ – ٢٠٢٠ نظمت تظاهرة مليونية غير مسبوقة في العراق وزادت الشعارات المعادية لايران حدة، وبالذات لعن سليماني في التظاهرات وفي لبنان الانتفاضة الوطنية تتصاعد رغم العنف ضدها،وفي اسرائيل الشرقية تظاهرات الشعب الرافض للنظام اصبحت اقوى واوسع بعد تصفية سليماني وارتفعت فيها هتافات ضد خامنئي وسليماني ومزقت صورهما علنا مثلما حصل في العراق.فهل ان د.القاسم لايتابع الاخبار فوقع في خطـأه وهو حال مناقض لمهنته ؟
٦ – يقع القاسم في خطأ ستراتيجي كبير حينما يقول (.وقد لاحظنا في رد الرئيس الأمريكي على الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق أنه قال : «أمريكا لم تعد بحاجة لنفط الخليج وغازه بعد أن أصبحت أكبر منتج للنفط والغاز في العالم».وهو بذلك يبتز دول الخليج بشكل مفضوح، إما أن تدفعوا وإلا نحن سنترككم فريسة للخطر الإيراني ) ! هنا نلاحظ خطأ القاسم لان القيمة الستراتيجية لمنطقتنا في هذه المرحلة من الصراع الدولي تفوقت على قيمة النفط، فمرور خط الحرير الصيني من العراق او اسرائيل الشرقية وهو مرور اجباري بريا، يمنح العراق واسرائيل الشرقية قيمة ستراتيجية مضافة تعوض عن تراجع قيمة النفط بالنسبة لامريكا بما ان الاخيرة هي المعنية اولا بالتوسع الصيني ، وكذلك فان روسيا بتوسعها تتجه جنوبا الى المياه الدافئة، وهو تحد اخر للوجود الامريكي الاقليمي ، لذلك فان ترامب لم يكذب حينما قال ( اننا نكتفي الان بالنفط الامريكي ) لكنه تعمد اخفاء القيمة الجيوبولتيكية للمنطقة كي يبتز دول الخليج العربي، فهو يهدد بقصد الابتزاز وليس الانسحاب.
وما يؤكد ذلك عدة مؤشرات اساسية منها بناء السفاره الامريكيه في بغداد لتكون اكبر سفارة لها في العالم واقامة القاعده الستراتيجيه الاكبر في عين الاسد في غرب العراق والتي تعد لاستخدام قاذفات B ٥٢ ،وما قاله جورج بوش الصغير بعد غزو العراق مباشره ( نحن اتينا الى العراق لنبقى فيه على الاقل نصف قرن ) وهذا ترجمة لقرارات ستراتيجية ثابتة.ماينبغي اذا اخذه بنظر الاعتبار هو ان قيمة الموقع الستراتيجي للعراق واسرائيل الشرقية في هذه المرحلة تتفوق على قيمتهما الاقتصادية بالنسبه الى امريكا كما بالنسبة لروسيا والصين ومهما اخفيت هذه الحقيقة، لذلك فان من يسيطر على منطقة الخنق او باب الانطلاق – العراق واسرائيل الشرقية – سيتحكم بخطوط الطاقة والتجارة العالمية ،وهذا ما يجب ان يوضح دائما لاظهار التضليل الامريكي القائل بان المنطقه لم تعد مهمه لان امريكا اكتفت نفطيا.
٧ – ويضيف ( العلاقة الإيرانية الأمريكية أشبه بالمصارعة الأمريكية ).نعم صحيح وانا وصفت الصراع بانه مصارعة حرة امريكية في اكثر من مقال،ولكن الصراع صار الان ملاكمة عادية وفيها ينتصر من يسقط خصمه بالضربة القاضية او بجمع النقاط، والذي يبدو واضحا الان ان امريكا لاتريد توجيه ضربة قاضية لاسرائيل الشرقية لاعتبارات امريكية ودولية وانما تريد تجميع نقاط تشكل في النهاية انتصارا لامريكا.
٨ – اما اذا كانت امريكا ستنسحب فانه يؤكد بانها وصلت مرحلة الموت السريري وهذه الفكرة تنهي وجودها العالمي وتشير الى بدأ تفككها الداخلي وزوالها كدولة، وهذا الاحتمال ممكن، وان كان مستبعدا الان،لانها في واقعها تحمل بذور فنائها، فهي، ونكرر، ليست امة وانما هي شركة عظمى راقية التنظيم.
٩ – تبقى نقطة مهمة جدا وهي ان النظام الشرق اوسطي سيكون على حساب العرب لعدة اسباب منها :
أ – العرب مشتتون ومستنزفون ويعيشون كوارث متعددة ولهذا لايملكون القدرة على لعب دور فعال في النظام الاقليمي وهذا ما تريده الاطراف الاقليمية والدولية.
ب – وبما ان النظام الاقليمي سيكون مصدا للزحف الصيني وللصعود الروسي فانه سيتعمد ابقاء العرب في حالة ضعف شديد، والسبب هو ان في الوطن العربي ثروات هائلة تحتاج اليها كافة الاطراف المتحالفة والمتصارعة، اضافة لموقعه الفريد في الصراع الحالي والقادم ،فالمغرب العربي مجاور لاوربا وبعدها لامريكا الشمالية،والمشرق يمر فيه طريق الحرير متجها الى الغرب، وهو قريب جدا من روسيا ، وفيه تتموضع ثلاثة اطراف من النظام الاقليمي المنتظر : الاسرائيليتان وتركيا وكل منهم لها مشروعها الاقليمي.
ج – لن يكون ممكنا تنفيذ فرضية تسليم الوطن العربي،او مشرقه على الاقل، لاسرائيل الشرقية كما يفترض البعض لانه يتناقض مع عدة بديهات ستراتيجية،سبق تأكيدها،منها ان امريكا لها مطامع في الوطن العربي وقدمت قتلى وصرفت تريليونات من اجل السيطرة عليه، واسرائيل الغربية التي تمارس دورها وهي اسيرة الشك اليهودي العميق بكل الاغراب ( الغوييم ) حتى وان كانوا حلفاء او متعاونين، وتركيا التي لديها مشروعها القومي الاقليمي ( وحدة اتراك العالم ) حتى وان تراجع مشروع ( العثمانيون الجدد ) ، لذلك فالاحتمال الارجح هو تقاسم المنطقة بين اطراف النظام الاقليمي،الا اذا نهض العرب وفرضوا واقعا جديدا لصالحهم ، وهناك الكثير من المؤشرات على وجود امكانية كبيرة للنهوض العربي التحرري وفي مقدمتها الانتفاضة في العراق ولبنان التي تؤكد القدرات الكفاحية الهائلة للامة العربية واستحالة استسلامها.
Almukhtar44@gmail.com
١٤ / ١ / ٢٠٢٠
الاربعاء ١٩ جمادي الاولى ١٤٤١ هـ ۞۞۞ الموافق ١٥ / كانون الثاني / ٢٠٢٠ م