زلزال تونس.. الدرس العربي
شبكة البصرة
السيد زهره
“الزلزال” هي الكلمة التي أجمع الكل على استخدامها لوصف ما حدث في تونس في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة والنتائج التي اسفرت عنها.
هو زلزال لأن النتائج أتت بشكل غير متوقع ابدا. اسفرت عن فوز اثنين لم يكن الكثيرون في تونس يتوقع فوزهما. قيس سعيد، وهو أستاذ جامعي ومرشح مستقل، ونبيل القروي، وهو رجل اعمال مستقل أيضا.
الأمر الغريب في هذه النتيجة ان كثيرين من التونسيين لديهم ملاحظات وتحفظات كثيرة على الاثنين الفائزين، ولا لا ينظرون اليهما باعتبارهما مرشحين مثاليين.
نبيل سعيد مثلا يأخذون عليه انه ليس لديه أي برنامج انتخابي واضح ومحدد يمكن من خلاله الحكم على نوع السياسات التي سيتبعها لو فاز. كل ما لديه هو شعارات ومواقف عامة جدا ترضي طموح قطاعات واسعة من الشعب.
ونبيل القروي يواجه اتهامات بالفساد، وهو قيد الاحتجاز فعلا لهذا السبب.
اذن، لماذا اختارهما الشعب؟ ما الذي يقف وراء فوزهما؟
الإجابة ببساطة ان الاثنين يجمعهما امر واحد مشترك.. انهما من خارج “المؤسسة” الرسمية.
والمؤسسة الرسمية ليست فقط أجهزة الدولة والحكم، وانما تشمل أيضا الأحزاب والقوى السياسية الرسمية، سواء كانت معارضة أم لا، وأيضا القوى المدنية المنظمة.
اذن، فوز المرشحين واختيار الشعب لهما رغم تحفظاته عليهما يعني أمور ثلاثة محددة:
الأول: أراد الشعب أن ينزل عقابا قاسيا بالمؤسسة الرسمية، وكل رموزها.
أراد الشعب ان يقول انه يعتبر هذه المؤسسة فاشلة وليست اهلا لقيادة البلاد بسياساتها التي عرفها في السنوات الماضية.
واراد الشعب ان يقول ان كل الأحزاب السياسية بكل توجهاتها الأيديولوجية وانحيازاتها وبرامجها فاشلة ولا يعتبرها أيضا اهلا لحكم البلاد.
والثاني: أراد الشعب أن يعبر عن قناعة راسخة بأن هناك حاجة ملحة الى تغييرات جذرية تطال كل مناحي العمل العام في البلاد، وعلى كل المستويات بعيدا عن السياسات والأساليب التقليدية في الحكم والممارسة السياسية.
والثالث: ان الشعب التونسي أراد ان يظهر عدم اكتراثه، بل ونبذه، لكل الانتماءات والانحيازات الايديولوجية للأحزاب والقوى السياسية ومن يسمون انفسهم قيادات. الشعب اسقط كل هؤلاء.
الشعب باختياره للإثنين أراد ان يقول ان همه الأساسي ينصب على العدل الاجتماعي، وتحقيق الحياة الانسانية الكريمة للمواطنين.
بالطبع الشعب التونسي أراد ان يؤكد هذه الجوانب الثلاثة باختياره لسعيد والقروي على ضوء خبرته التي يعتبر انها مريرة في السنوات الماضية. الشعب فجر ثورة كبرى في 2011 واطاح بنظام بن علي، وتوقع ان تكون هذه بداية لحقبة جديدة تتحقق فيها آماله وطموحاته في حياة افضل. لكن الشعب أصيب بالإحباط الشديد اذ لم تتحسن اوضاعه كثيرا في ظل الذين تعاقبوا على حكمه بعد الثورة.
ما فعله شعب تونس حين ادار ظهره للمؤسسة الرسمية، وانتخب سعيد والقروي، وبما يعنيه ذلك على نحو ما ذكرنا يمثل درسا بليغا يجب ان تتأمله كل الدول العربية.
الدرس ان كل مؤسسات الدولة يجب ان تعيد النظر في سياستها وفي أدائها بحيث تسعى الى تحقيق آمال الشعب وطموحاته، وان تدرك ان الصمت العام ليس دليلا على الرضا. يجب ان تدرك مؤسسات الدولة والقائمون عليها ان الغضب العام يمكن ان يكون كامنا، وستأتي لحظة يعبر فيها الشعب عن هذا الغضب، بالطريقة التي عبر بها شعب تونس او غيرها.
والدرس أيضا لكل الأحزاب والقوى السياسية والمدنية. هذه القوى يجب أيضا ان تعبر عن الشعب وان تتبنى آماله وطموحاته المعيشية بالذات بعيدا عن الانتماءات والانحيازات الأيديولوجية الضيقة.
بشكل عام اثبت شعب تونس ان شعوبنا العربية تتغير. نحن لا نعرف على وجه الدقة طبيعة هذا التغير، ولا متى وكيف سيتم التعبير عن هذا التغيير.
شبكة البصرة
الثلاثاء 25 محرم 1441 / 24 أيلول 2019
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس