القـــادسيتـــــان وثــــالثتهـــمـــــــــا
شبكة ذي قار
صلاح المختار
تقزيمنا كعرب والحط من شأن انجازاتنا او انكارها احد اهم اساليب خنقنا من الخارج واضعاف معنوياتنا من الداخل، وهذه خطة مشتركة لكل اعداء الوطن العربي خصوصا الغرب الاستعماري والصهيونية ، واسرائيل الشرقية والاخيرة هي الاشد عداء للعرب والاقدم في ممارسته ،وموقفها من قادسية صدام انموذج واضح لهذه الخطط المعادية حيث حاول مثلث الشر تقزيمها وانكار عظمتها :
1- قادسية صدام، او القادسية الثانية او حرب الخليج الاولى، هي واقعة تاريخية ضخمة غيرت مجرى الصراع الاقليمي والعالمي اشعلها خميني بين عامي 1980و1988 لتحقيق هدفه المعلن رسميا وهو غزو العراق تحت شعار ( تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد ) من النظام البعثي! فلولاها لما تفجرت ازمة الكويت التي دبرت في ظلام لاحتواء النصر العظيم في يوم 8-8-1988وجرت الى العدوان الثلاثيني واحدثت تغييرات ستراتيجية في الصراعات الاقليمية والدولية بجعلها الصراعات الدينية والطائفية تزيح الصراع الطبيعي وهو الصراع العربي الصهيوني وتحل محله ،ولولا قادسة صدام لكان خميني يحكم مكة والقاهرة والرباط ووهران ويصل حدود اوربا غربا وحدود الصين شرقا كما كان يحلم، ولولاها لكان خميني قائد امبراطورية فارسية عظمى اكملت سحق العرب كلهم ودفنت هويتهم القومية وهدمت تركيا، ولولاها لما تأكدالعالم كله من ان امريكا واسرائيل الغربية تمارسان التقية بكامل ابعادها ومعانيها فتمثلان ادوارا للخداع كما نرى في صفقات ايرانجيت .
الغرب والصهيونية ومعهم نظام الملالي يصرون على انها ( انتهت بلا غالب ولا مغلوب ) وهذا هو التقزيم الاعظم لها وهدفه الواضح هو تجريد العرب من اي انجاز تاريخي ،فهل حقا انتهت بلا غالب او مغلوب؟ الجواب الاكثر حسما هو ما قاله خميني ( انا مضطر لايقاف الحرب كما لو انني اتجرع السم الزؤام ) !هل هذا القول يصدر ممن خرج متعادلا في حرب استعمارية شنها تحت هدف معلن وهو اسقاط النظام الوطني في العراق كي يستطيع ازاحة العقبة الرئيسة وهي العراق القوي ودفع قواته وبلا مقاومة الى المشرق العربي لتأسيس دولة الانطلاق الواقعة بين طهران والبحر الابيض المتوسط ثم بناء الامبراطورية الفارسية؟ وهل ما وثق رسميا في طهران من ان رفسنجاني دخل على خميني وقال له وهو يرتعش : ( مولانا اذا لم نوقف اطلاق النار فقوات العراق ستصل طهران ونحن لم نعد نستطيع صدها ) . لقد نجحت قادسية صدام في اجبار خميني وخليفته خامنئي على الاعلان عن التوقف عن تصدير ( الثورة ) واعلن خامنئي خليفة خميني انه يتخلى عن الشعار الذي اشعل الحرب وهو تصدير الثورة! فهل منع ذلك المخطط الجهنمي 15 عاما حالة تعادل؟ ان الالم قتل خميني وكان سببه تجرعه لسم الهزيمة المنكرة بيد صدام.
2- امريكا هزمتها قوات جبهة التحرير الوطني الفيتنامي بحرب عصابات تعتمد هجمات مجاميع صغيرة من الثوار على قوات الاحتلال وهي اسهل بعشرات المرات من حرب عصابات خميني ضد العراق ،والاتحاد السوفيتي هزمه ( المجاهدون الافغان ) وهم ايضا مجاميع حرب عصابات تشبه ثوار فيتنام من حيث طريقة القتال ، ومع ذلك هزم الاتحاد السوفيتي وكانت هزيمته احد اهم عوامل هدم صرحه الكبير. فكيف صمد العراق وانتصر رغم ان حرب عصابات خميني كانت هي الاخطر من كل حروب العصابات في التاريخ خصوصا انها دعمت بقوات نظامية ايرانية وتنظيمات قوامها ملايين المتطوعين ؟
ان السلاح الجبار لخميني وهو ما سمي وقتها ب ( الموجات الانتحارية ) التي تشن بالمئات والالاف، هو اخطر من الدبابات والمدفعية والطيران ،وكان كافيا لالحاق الهزيمة بامريكا والاتحاد السوفيتي معا لو خاضتا الحرب ضد خميني لانه اعتمد على بشر غسلت ادمغتهم واقنعوا بان موتهم هو مفتاح دخول الجنة والذي علق في رقابهم لفتح ابوابها عندما يصلونها !وزاد خطورة الموجات الانتحارية الايرانية انها اقترنت بواقع معاشي ايراني بائس في زمني الشاه وخميني تمثل في وجود فقر مدقع لملايين الايرانيين كانت المخدرات تنسيهم اياه مؤقتا، ولكن اضيف عامل اخر وهو دجل نظام الملالي الذي اقنع الملايين ( بان السعادة لن تنال في الحياة الارضية وانما في الجنة فالتخلص من الفقر والبؤس ممكن فقط عبر ( الاستشهاد ) وهو الضامن لدخول الجنة وتناول العشاء مع ال البيت ) ! لذلك اصطف ملايين الايرانيين للتطوع والموت بسرعة !
ولو خاضت اسرائيل الغربية حربا لمدة شهر مع نظام خميني فأنها ستهزم بايام لاتتجاوز الاسبوع .وهنا نرى كم ان خميني كان داعما لاسرائيل الغربية ومحافظا عليها فهو لم يستخدم الموجات البشرية ضدها بل ضد من اعتبرته عدوها الاخطر: العراق ،وبعد ان اتيحت لها الفرصة بعد اسقاط النظام الوطني في العراق وغزت العراق وسوريا ولبنان واليمن واصبحت لها حدودا مشتركة مع اسرائيل الغربية واصلت تدمير العرب دون ان تمسها بوردة ! في تأكيد على ان الاسرائليتين متفقتان ضد العرب .
3- الحرب العالمية الثانية استمرت حوالي ستة سنوات وحرب فرنسا وامريكا واحدة بعد الاخرى على فيتنام طالت عشرين عاما متقطعة بعكس قادسية صدام التي كانت متواصلة طوال ثماينة اعوام ، فسجلت انها الاطول حتى انتهاءها. وكانت مكلفة جدا ماليا ونفسيا ومعقدة عسكريا ومع ذلك انتصر العراق بطريقة فريدة كانت لاتخطر ببال مهندسيها في واشنطن ولندن وطهران .
4- وهي حرب كان التأثير النفسي فيها السلاح الاقوى على الطرفين العراقي والايراني ، فالطرف الايراني اعتمد على حرب مركبة تقليدية وحرب عصابات ولذلك اتسمت بانها حرب عصابات ذات ادوات فريدة وهي الهجمات الجماعية المكثفة على القوات العراقية لاغراقها بالعدد البشري الهائل، وهي حرب تهدد بتحطيم معنويات جنود العدو المتعرض للهجوم من خلال رؤيته لاكداس الاف بشر يموتون ويتكدسون فوق بعضهم ويشكلون تلالا! ان اهتزاز النفوس في الحرب تحركه عوامل منها انسانية صرفة وهي رؤية جثث بالالاف تنزف دما وتتمزق اربا اربا.كان خميني يأمر بحشد الاطفال والشباب غير العسكريين وبعضهم كان يأتي بدراجته البخارية ليحارب بها جيش العراق الحديث القوي المتحصن خلف متاريس لاتستطيع حتى الدبابات اختراقها فكان هؤلاء يأتون بحماس من تيقن انه ذاهب للجنة للتخلص من بؤس الفقر !
لقد تحولت ساحات المعارك الى مقابر جماعية تختلط فيها بقايا جثث الايرانيين والعراقيين وتدفن معا من قبل القوات العراقية لاستحالة التفريق بين اشلاء القتلى الايرانيين والشهداء العراقيين، وكان احد الضباط يتحدث وقتها معي حول تجربته تلك فيقول :كنا لانعرف لمن تعود الاشلاء المبعثرة في ساحة المعركة بعد توقف القتال بهزيمة ايرانية ماحقة، وكنت اشعر بألم لم اشعر به في حياتي لرؤية هذه الاشلاء البشرية المزروعة في كل مكان . ولكن هل اهتزت نفوس العراقيين وكان ذلك احد اهم اهداف خميني من الموجات الانتحارية ؟كلا فقد كان العراقي يعرف انه اذا هزم ستباد عائلته وتنتهك اعراضه وتنتشر بلاد فارس في كل قرية عراقية ويتحول العراق الى مقابر جماعية ، لذلك قاتل العراقي وهو يتذكر ان طفله يجب ان لايقتل او يستعبد من الفرس – وهو ما نراه الان بوضوح –فقاتل ببسالة فريدة تفوقت على الهجمات الانتحارية ولم يكن هناك مجال للتردد او التراجع ابدا فاما الاستشهاد او النصر.
5-لو قارنا القادسيتين لرأينا ان الثانية تمثل فرقا نوعيا في مفهوم الحرب وطبيعتها فالقادسية الاولى كانت محدودة في منطقة عراقية وكان عدد القوات قليلا مقارنة بالملايين التي حشدتها اسرائيل الشرقية ،والعراق وحده حشد اربعين فرقة عسكرية،وكانت الاسلحة مختلفة نوعيا فلم يكن السيف ولا الرمح السلاح وهما اهم اسلحة القادسية الاولى بل الدبابات والصواريخ والطائرات والمدفعية الثقيلة فالقادسية الثانية كانت اعقد عسكريا واخطر بكثير ماديا ونفسيا ،وثمنها كان عاليا ولايقاس بخسائر القادسية الاولى وكذلك نتائجها الواسعة والتي نراها الان بتفاصيلها في العراق وسوريا واليمن وفي الفوضى الهلاكة في الوطن العربي .
اما التأثيرات الاقليمية والعالمية فان القادسية الثانية فتحت الطريق امام العرب لاستئناف دورهم الحضاري فرأينا العراق وهو يحقق تقدما هائلا علميا وتكنولوجيا بفترة قصيرة كالتصنيع الحديث وتقليص الاعتماد على الاخرين و ( جعل الزراعة نفطا دائما ) اعاد للعراق دوره التاريخي كمزرعة كبرى غزيرة الانتاج . النصر العراقي في قادسة صدام وما تبعه من نهضة عراقية علمية وتكنولوجية ارعبت مثلث الشر ودفعته لتوسيع التعاون لاجهاض نهضة العرب الحديثة .
6- هناك من يدس ويزور فيدعي ان امريكا زودت العراق بالسلاح ! ولابد من التذكير بحقائق تاريخية ثابتة واولها ان الاتحاد السوفيتي المصنع الرئيس لاسلحة العراق اوقف ارسال شحنات دفع ثمنها قبل الحرب، كما ان امريكا لم تقدم رصاصة واحدة لاسباب سياسية والعراق لم يكن عمليا يستطيع ان يشتري سلاحا امريكيا لاختلاف عقيدته العسكرية والحاجة لزمن طويل للتدريب عليها، اما بعض دول اوربا التي باعت السلاح للعراق فكانت عبارة عن صفقات تجارية صرفة قسم كبير منها تم سرا وفي السوق السوداء . بانتاجه لبعض الاعتدة وشراءه من السوق السوداء باستثناء صفقات مع فرنسا مثلا نجح العراق في ادامة صموده. فاكذوبة ان امريكا زودت العراق بالسلاح لايرددها الا من لايعرف ما جرى او مغرض ، وعلى العكس راينا ايرانجيت وهي عملية تزويد امريكا والصهاينة خميني بالسلاح بانتظام لضمان تواصل تدمير العراق .
7- وربما اهم تساؤل هو: لو بقي العراق تحت الحكم الوطني هل كانت اسرائيل الشرقية ستنجح في اختراق السعودية واستنزاف موارد دول الخليج العربي؟وهل كانت اسرائيل الشرقية ستتجرأ على غزو لبنان واليمن وسوريا بينما هي رضخت للعراق وعادت تمارس التقية اليهودية معه بعد قادسية صدام تملقا لدرجة ان الرئيس الايراني كان يستقبل وزراء عراقيين بالتقبيل والاحتضان خلافا للبرتوكول؟ ولذلك لاتنسوا ابدا اهم دروس اكثر من ثلاثة عقود: كل الكوارث الحالية لن تنتهي الا بعودة العراق القوي تحت قيادة القوى الوطنية لانها هي فقط التي تستطيع اعادة الفرس الى منطقة فارس فقط لان امريكا واسرائيل الغربية لهما مصلحة سوبرستراتيجية في الدور الايراني التوسعي وليس العكس.
في قادسية صدام دحر العراق قوة كان من المستحيل دحرها الا باستخدام اسلحة نووية فظهر العراقي بمعدنه الاصيل المبني على قيم ومبادئ عليا بصفتها العامل الحاسم في تسجيل نصره فاصبح النصر عليه في اي حرب مرهونا بتدمير قيمه العليا.وفي القادسية الثالثة القادمة حتما والتي تتراكم عواملها الان سوف نرى رمزية صدام تحرك شعبا لايقهر في الحرب وان كان ممكنا ان يغلب في معركة.
تحية الفخر والاعتزاز لابطال قادسية صدام وفي مقدمتهم:عدنان خير الله ،عبدالجبار شنشل ،عبدالجبار الاسدي ،اسماعيل النعيمي ،نعمة فارس ،سالم حسين ،عبدالعزيز الحديثي ،صلاح القاضي ،هشام صباح الفخري ،ماهر عبدالرشيد ،سعدي طعمة الجبوري ،شوكت احمد عطا ،نزار الخزرجي ويونس محمد الذرب وعشرات اخرين غيرهم قادة فرق والوية ،سجلوا في صفحات التاريخ انهم كانوا ابطالا في قادسية صدام . وقبل هذا وذاك تحية لمهندس القادسية والمشرف الميداني عليها واحد جنودها بنفس الوقت صدام ،فهو العقل المدبر لها والمحدد الرئيس لاهدافها الستراتيجية .الرحمة على من توفاه الله منهم والعمر المديد للاحياء منهم والمجد والشرف لكل من ساهم فيها . واعتذر ان نسيت اسما او اكثر.
Almukhtar44@gmsil.com
٠٧ / أب / ٢٠١٩