ألقمة العربيّة الأوروبيّة: بداية جيّدة مع دعسة ناقصة |
د. علي بيان |
ألمقدّمة: عُقدت القِمّة العربيّة الأوروبيّة الأولى في شرم الشيخ (مصر) يومي 24-25 شباط 2019 تحت عنوان: “في استقرارنا..نستثمر”. حضرها 49 دولة من إلإتّحاد الأوروبّي والجامعة العربيّة بينهم 40 رئيس دولة أو حكومة، وشارك فيها رئيس المجلس الأوروبّي دونالد توسك، ورئيس المفوضيّة الأوروبيّة جان كلود يونكر، والممثل الأعلى للشؤون الأمنيّة والخارجيّة في الإتّحاد الأوروبّي فيديريكا موغيريني، وامين عام الجامعة العربيّة أحمد أبو الغيط. وقد شارك رئيسُ المجلس الأوروبّي ألرئيسَ المصري رئاسةَ المؤتمر. وشارك لبنان بوفد ضمّ رئيس الحكومة ووزراء الخارجيّة والمال والصناعة، وسفير لبنان في القاهرة. إنعقدت القمّة بعد مؤتمر وارسو (13-14 شباط 2019) الذي رعته الولايات المتحدة الأميركيّة وطغى عليه الفشل لأن ما أعلن عن الهدف من انعقاده لم يتطابق مع الهدف الحقيقي، ومؤتمر سوتشي (14 شباط 2014) بين رؤساء روسيا وإيران وتركيّا للبحث في الأزمة السوريّة دون وجود أيّ ممثّل سوريّ من النظام أو المعارضة، وفشل رئيس وزراء العدوّ نتنياهو في عقد مؤتمر فيشغراد الذي كان من المقرّر انعقاده بمشاركة قادة بولندا وهنغاريا والتشيك وسلوفاكيا بغية تشكيل محور جديد يشكّل رافعة سياسيّة دوليّة للكيان الصهيوني،.وإحداث خرق في بنية الإتّحاد الأوروبّي،. وقد صدر عن القمّة 17 توصيةً تناولت الصراع العربي الصهيوني، والأزمات في كل من سوريا وليبيا واليمن، ومسائل الهجرة والإرهاب والإتجار بالبشر وانتهاكات حقوق الإنسان، والمناخ، والإستقرار الإقليمي والدولي، والإستثمارات المتبادلة، والتعاون في مختلف المجالات الإقتصادية. وتمّ الإتفاق على عقد المؤتمر الثاني في بروكسل عام 2022.، على أن تتمّ متابعة قرارات القمّة من خلال العديد من الآليّات ومن بينها الأمانة العامّة لجامعة الدول العربيّة وسكرتاريا الإتّحاد الأوروبّي، والإجتماعات المشتركة على مختلف المستويات.
أهداف القمّة إنّ توصيات البيان النهائي الذي أطلق عليه تسمية “إعلان شرم الشيّخ”، وقراءة معمّقة للكلمات التي ألقيت في الجلسات والتصريحات الجانبيّة لعددٍ من رؤساء الوفود المشاركة تشير إلى أنّ أبرز أهداف القمّة هي: 1- تشكيل منَصّة دوليّة هامّة جغرافيّاً وسكّانيّاً في موازاة سعي الولايات المتحدة الأميركية للحفاظ على أحاديّتها القطبيّة، وابتعاد روسيّا الإتّحاديّة عن مسار جنيف لحلّ الأزمة السوريّة من خلال مؤتمرات أستانا وسوتشي، واللقاءات الثنائيّة و/أو الجماعيّة مع مسؤولي كلّ من الكيان الصهيوني وتركيّا وإيران وعلى مختلف المستويات السياسيّة والعسكريّة، وارتفاع وتيرة الدور الروسي والصيني لملأ الفراغ إذا انحسر الدور الأميركي في الشرق الأوسط، والذي تروّج له الإدارة الأميركيّة منذ زمن بعيد وإعلان الرئيس الأميركي قرار الإنسحاب من سوريّا حديثاً رغم أن الوقائع تؤكّد أنّ ذلك لن يتعدّى إعادة نشر القوّات لسببين اثنين: ألأول هو أنّ الإدارة الأميركيّة لا تزال تسوّق خطّتها “صفقة القرن” وظهر ذلك جليّاً في زيارة مستشار وصهر الرئيس الأميركي كوشنر، مع مبعوثي الولايات المتّحدة إلى الشرق الأوسط غرينبلات وإلى إيران براين هوك، إلى دول الخليج العربي فور انتهاء القمّة في 25 شباط حيث بدأ لقاءاته في عُمان التي تلعب دوراً هامّاً في المفاوضات ذات الصلة بالقضيّة الفلسطينيّة والحوار الأميركي-الإيراني وذلك ” لتفعيل خطّة السلام في الشرق الأوسط وزيادة الإستثمارات الإقتصاديّة”.والثاني عدم التخلّي التاّم عن السيطرة على مصادر الطاقة في المنطقة والإيداعات الماليّة لدولها وإن كانت أميركا تروّج إلى أنّ هدفها مكافحة الإرهاب.
2- ألتأكيد على القرارات الدوليّة ذات الصلة بالقضيّة الفلسطينيّة حيث ورد في التوصية رقم 7: “عدم شرعيّة المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة وفقاً للقانون الدولي، والإلتزام بالتوصّل إلى حلّ الدولتين كونه السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الإحتلال الذي بدأ عام 1967 والذي يشمل القدس الشرقيّة، والتأكيد على دور وكالة الأونروا ودعمها سياسيّاً وماليّاً”. يُلاحظ هنا عدم ذكر القرار 194 (1948) المتعلق بحق عودة اللاّجئين، ولا الأراضي العربيّة المحتلّة الأخرى (ألجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا) ممّا يعتبر خطاً فادحاً ارتكبته الدول العربيّة بعدم الإصرار على إدراج ذلك في التوصيات المعلنة. كما أنّ التوصية 7 تضمنت ” التوصّل إلى سلام عادل ودائم وشامل بين الإسرائيلييّن والفلسطينييّن عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف يتناول كافّة قضايا الحلّ النهائي” ممّا يخرج توصيات القمة من حيّز الإلزام بتطبيق القرارات الدوليّة سالفة الذكر إلى متاهات المناورات التي تتضمّنها مفاوضات الحلّ النهائي إذا ما تمّ الوصول اليها. أمّا ما يتعلّق بسوريا فقد تمّ التمسّك ب:” تنفيذ إعلان جنيف 2012، وقرارت مجلس الأمن ذات الصلة خاصّةً القرار 2254″ وإدانة كافّة الأعمال الإرهابيّة وانتهاكات حقوق الإنسان، ومحاسبة المسؤولين عنها. وبالنسبة إلى ليبيا فقد تمّت الدعوة إلى تنفيذ إتفاقيّة الصخيرات في المغرب عام 2015. أمّا اليمن فقد رحبّت القمّة باتفاق استوكهولم وقرارات مجلس الأمن 2216، 2451 و 2252. تظهر الأهميّة هنا في التأكيد على تنفيذ القرارات الدوليّة، لكنّ قدرة الإتّحاد الأوروبّي والجامعة العربيّة على فرض تنفيذ ذلك تبقى محدودة نظراً لأرجحيّة الدور الأميركي والروسي من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الخلافات داخل المجموعة الأوروبيّة خاصّةً بعد خطوات المملكة المتّحدة للإنسحاب من الإتّّحاد الأوروبي رغم حضور رئيسة وزرائها تيريزا ماي القمّة، وضعف المحور العربي، و الفشل في معالجة الأزمات الحادّة الداخليّة في معظم الدول العربيّة والخلافات فيما بينها.
3- ألسعي إلى التعاون المشترك لمعالجة مسائل الهجرة خاصّةً غير الشرعيّة التي تؤرق أوروبا، ومكافحة الإرهاب، والتعصّب الثقافي والديني، والتطرّف، والتمييز العنصري، والعمل على منع انتشار الأسلحة النوويّة بما في ذلك إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها. كما تمّت الدعوة إلى شراكة في الإستثمار والتنمية المستدامة، والتعاون في مجالات التجارة والطاقة والعلوم والبحث والتكنولوجيا والسياحة وصيد السماك والزراعة وخفض البطالة. ألخلاصة: إنّ كلّ تعاون بين الدول العربيّة وأوروبا هو إيجابيّ، لكنَّ ما يجدرُ التوقّف عنده هو أنّ القرارات التي حُدِّدَت غَلَبَت عليها الرّؤية الأوروبيّة في مقاربة الأزمات، وخاصّةً فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، وأدوار الأطراف الإقليميّة المتاخمة للوطن العربي والتي تلعب دوراً سلبيّّاً في تهديد ركائز الإستقرار السياسي والإجتماعي من جرّاء تدخّلها في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة، وخاصّةً الدوّر الإيراني، فضلاً عن قضايا الإرهاب واللّجوء.وقد ظهرت أرجحيّة الطرف الأوروبّي برفضه إضافة تعديلات على البيان النهائي للقمّة اقترحتها كلّ من المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين ولبنان. وهذا ما كان ليحصل لو كان العرب يتمتّعون بالقوّة والمناعة اللاّزمتين لتحقيق توازن بين طرفي المتوسط. وإذا كانت بعض الملفّات كالقضيّة الفلسطينيّة، وإيجاد حلول للأزمات والإضطرابات في كلّ من الصومال وليبيا وسوريا واليمن تتجاوز قدرة الطرفين على تحقيقها دون مشاركة الأطراف الدوليّة الفاعلة الأخرى، فإنّ التعاون في مجالات الإستثمار الإقتصادي في الطاقة النوويّة للأغراض السلميّة؛ والطّاقة المتجدّدة خاصّةً الرياح والشمس؛ وتكنولوجيا المعلومات ومكننة الإدارة؛ والزراعة؛ والمواصلات؛ وإدارة النفايات؛ والتبادل التجاري وغيرها، والتربية والتعليم والبحث العلمي، والأمني لمحاربة الإرهاب والتدخل بالشؤون الداخليّة للدول خارج سياق المواثيق الدوليّة هي قابلة للتحقيق وتعطي مردوداً إيجابيّاً هائلاً للطرفين من خلال تحويل التوصيات والقرارات إلى برامج عمل تنفيذيّّة. كما أنّ مديات التعاون ترتفع طردياً إذا ما ترافقت مع خطوات عمليّة لإيجاد حلول للأزمات داخل وبين بعض الدول العربيّة، وداخل وبين بعض دول الإتّحاد الأوروبي، وتحاشي الوقوع في فخّ التناقض بين العلاقات الثُنائيّة والجَمَاعيّة، والإلتزام بمبدأ الإستفادة المتبادلة وليس الإستغلال أحادي الجانب. |
شبكة البصرة |
الجمعة 24 جماد الثاني 1440 / 1 آذار 2019 |
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط |