الخيرون هم من يثمنون الآخر حتي وإن اختلفوا معه،
وهم المعنيون والأكثر أهلية لإعادة بناء الوطن |
شبكة البصرة |
يوغرطة السميري، أولاد بوسمير – تونس |
كل من يقرأ تاريخ العرب عند فجر انبعاثهم الأول كما صاغته ثورة الإسلام يقف علي ظاهرة مميزة عنوانها شدة تأثر العربي باللفظ، فالألفاظ في فجر انبعاث العرب كأمة و هوية جامعة حقائق نابضة مترعة بالحياة، يسمعها القلب لا الأذن، وتجيب عليها الشخصية كلها لا اللسان وحده، لذلك كان للفظة قدسية وكانت بمثابة تعهد، تربط الحياة وتتصرف بها، سواء حياة الفرد أم حياة الجماعة، قدسية تجد تفسيرها بائنا في رسالة -معجزة- الإسلام بكل ما حملته من قيم ومعاني. اذ أضحت اللفظة بمثابة الورقة النقدية تمثل قيمة معينة من الذهب. لفظة انبني علي التمسك بها حضارة ورفعتهم الي مستوي سيادة العالم والتقدم بشعوبه خطوات بائنة علي طريق الرقي.
هذه اللفظة غدت اليوم مجرد قصاصة من الورق ليس وراءها ما يضمنها، فنحن اليوم نرى نفسا فقيرة إلى حد العدم تستطيع أن تغرق ما حولها ببحر من الكلام، وليس من يطالبها بأن يكون وراء كلامها عمل يضمنه، فلا غرابة في أن تُفْـقد الثقة وتَلتَـبس الأمور، ويكثر الغش والتلاعب وبالنتيجة الإفلاس والفضيحة. زماننا اليوم كثر فيه الكلام، وهو الزمان الذي تحول فيه الكلام منفصلا عن شخصية قائليه… كلامنا اليوم يلامس اللهو، كلامنا شكل من أشكال الهذيان الخالي من روح الإنتاج، كلام يدعم ما هو قائم من شلل وعقم لا بل عامل من عوامل استشراء هذا الشلل بما يجعل التساؤل علي النزوع نحو التطور الذي ساد سنوات بناء الدولة الوطنية حتي في صيغها القطرية لماذا تحول الي حلم ليرتد نزوعنا نحو الوحدة وبناء مجتمع الأمة والهوية العربية الجامعة إلي مستوي البحث علي عوامل المحافظة علي وحدة مجتمع الأقطار؟ فما هي العوامل المعرقلة لاستعادة النزوع لبناء وحدة الأمة؟ وما هي طرق استعادة هذا النزوع حماية للهوية الجامعة واعادة التأسيس للنهوض العربي؟
في التمسك بالثوابت بعقلية المرحلة تكمن الحلول ”المشروع العربي قائم رغم ما يثار حوله من تساؤلات أولا: في كلمة للأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الشهيد صدام حسين وردت في: نشرة قومية صادرة في كانون الثاني يناير 1993- قال: إن الفكر يغني نفسه ويتطور مع تلك الصلة الحية والدائمة مع الواقع كما يجسده ويتفاعل معه أي مكون من مكونات المجتمع العربي {التنظيم، الحزب أو المؤسسة} فالإنسان إذن ليس في حاجة ليطلع على كل ما هو تفصيلي وشامل ليغدو مؤمنا وإنما حسبه إن يطلع على اللبنة الأولى أو على ما يتضمنه خط البداية من أفكار ليأخذ الإيمان مجراه.{ألم يطرح عبد الناصر والبعث مشروعا لنهوض الأمة؟ ألم ينبني علي تطلع كل من الرؤيتين تجارب قطرية بامتدادات قومية بائنة؟} إن الإيمان يسبق المعرفة بل هو الدافع إليها إذن فان خط البداية أو الينبوع الأول لمجرى الإيمان الذي يفضي إلى الهداية هو النموذج، وهكذا تبدأ الحياة بخط للبداية صحيح وبنموذج صادق ومؤمن ومضحي ومن ثم الشجاعة فالشجاعة عند الأنبياء مصدرها الإيمان وعلى هذا الأساس من إشعاع هذا النموذج كانت المجتمعات المؤمنة تتكون. ثانيا: إن التساؤل حول مشروع عربي الذي يردده البعض بصيغة التغييب… أو القول بافتقاد العرب لمشروع قياسا بما حققته الأمم الأخرى يحمل تجني بائن، تجن يؤسس قائله لتشظي الوعي العربي بين مشروعين اقليمين بما يحملانه من تقصد بائن لحق العرب في النهوض، المشروع القومي الفارسي بلبوسه الإسلامي المنحرف و المشروع الطوراني بلبوسه الإسلامي السلفي، في ذات الوقت هو تنكر لما حققه الفكر العربي عبر تاريخ النهضة العربية المعاصرة و ما جمله و بشر به من مشروع نهضة مثلته تجارب مثال أحداها اختطفتها قوي داخلية منحرفة بها إلي أن تتحول إلي مثال للردة، أما الثانية فقد اختطفت بفعل التدخل الخارجي واحلال نذالات اسلاموية تجمع بين “تبعية ولاية الفقيه وتبع الطورانية العثمانية” وليبرالية انتهازية بمفهوم السراق و اللصوص، تجربتين حققتا تراكمات مشرقة قبل انحراف الأولي و اسقاط الثانية بفعل الاحتلال تجاوزتا كتجربتين كم هام من الإخفاقات و العثرات. اذن نحن اليوم و هذا البعض الذي ما فتئ يتساءل علي المشروع القومي الغائب بما اعتبره مبررا الي الانغماس في التبعية المكشوفة ان كان للمشروع القومي الفارسي أو المشروع الطوراني التركي… يحق لنا التساؤل أيضا علي ماهية كلا المشروعين بذات الصفة و الصيغة التي يتساءل بها هذا البعض علي المشروع العربي…؟؟ لو كان التساؤل… لماذا نجحت مشاريع نهوض الأمم الأخرى، و تعثر مشروع نهوض الأمة العربية؟ هل نتيجة فشل الفكر العربي في نقل الأفكار التي طرحها و شكلت ما نعتبره و نعتز به ايديولوجيا الثورة العربية المعاصرة إلي ممارسات السلطة… أم لعجز في مواكبة التطور الحاصل في مجتمعات منافسة؟ أو العجز عن فهم واستيعاب ضرورات التجديد باعتباره قانون البقاء حين تجاهلت استحقاق المتغيرات؟ هل قرأنا كأبناء لهذه الأمة تجربة نهوض العراق في ظل سنوات الحكم الوطني بين تأميم النفط و حتي الاحتلال لنطرح تساؤل حول مشروع نهوض عربي من عدمه. ثالثا: ما نفتقده اليوم هو نظرة متطورة للفكر السياسي لدينا كعرب لكونه هو الأكثر ضرورة لدواعي التطوير، كونه الأساس الذي يضع المسارات الحركية للمجتمع، فالفكر العربي كما صاغته الإيديولوجية العربية فكر يؤمن بالجدلية العلمية لا بالجدلية المادية فالجدلية العلمية لا تحدد مسارات تنتهي عند معطي بحد ذاته بقدر ما تؤكد من أن الفكر السياسي متجدد باعتبار أن الفكر في حد ذاته هو نضح معطيات الواقع، لذلك فنظرة الفكر العربي الثوري لا تتوقف عند تصحيح مسار هنا و مسار هناك فحسب، بقدر ما تتطلع الي الارتقاء بالواقع نحو أفاق تستحضر و في كل فواصلها القانون الازلي للتطور الحتمي، و ذلك لا فقط على صعيد المجتمع العربي وإنما حتى مستوي الأشياء. رابعا: قيمة الفكر العربي عامة وميزته تكمن في عدم تخندقه في أسر الماضي رغم أن هذا الماضي إن كان ما هو بعيد منه أو ما هو قريب كما قدمته التجربتين المغدورتين مبهرا في نظر من يقرأ هذا الماضي قراءة موضوعية.. من ناحية و من ناحية ثانية اقراره المبدئي بأن الزمن يتغير ويفرز معطيات جديدة وحاجات من الخطأ نكرانها. لذلك أكد في أدبياته علي التحصين العقائدي و الفكري للأحزاب من القصور و العجز عن مواجهة التطور في الخنادق المقابلة التي امتلكت ناصية العلم و التكنولوجيا و جعلتها عامل من عوامل الصراع الحاسمة. علينا أن نعي من ان الانقلاب علي الأسس التي ارتكز عليها المشروع القومي أو نكرانها… و التي هي ثوابت تجسد أهداف وطنية و قومية فاصلة و حاسمة للأمة… ثوابت هي ضمير الأمة و بوصلتها نحو تحقيق التحرر و استعادة ما مسلوب من اراضيها كل أراضيها، و ردع أي عدوان أن كان صهيونيا أم فارسيا بلبوس ديني أو طورانيا تركيا. و بذلك نقطع الطريق أمام ما يتهدد هويتنا الجامعة لابل حتي وجودنا كأمة.
الفاشل هو من يتوقف عند مناقشة المشكل دون طرح الحلول اذا كان الكل العربي يؤكد من أن دخول الأمة و أبناء الوطن العربي دائرة الأزمة الشاملة و اقترابهم من دائرة اجتثاث هويتهم الجامعة مرده الي جملة أسباب منها: أولا: طبيعة النظام العربي ان كان في هيكليته أم في ما عرفه من تقابل في توجهاته من قطر الي آخر أم في ارتباطات كل فرع منه بقوي خارجية بما أفضت اليه من عداء بين مكونات هذا الوطن. ثانيا: التمايز المنسجم لمكونات هذا النظام بالدفع نحو تشويه الوعي الشعبي بما يتهدد العربي من مخاطر بتسطيح المعرفة في جانب و تأليه الحاكم عامة حد أصبح فيه انتقاد الحاكم س في القطر ص يصبح في نظر أبناء هذا القطر انتقادا لهم. ثالثا: الآثار النفسية التي تولدت مع الحرب العدوانية ضد العراق سنة 1991 وما تبعها من حصار قاتل لقطر عربي، حصار أدواته عربية بامتياز و ما انتهي اليه من احتلال لقطر مثل رافعة للمشروع القومي لا في صيغها الخطابية بقدر ما هو رافعة نقلت المشروع من رؤي فكرية الي حالة واقعية مجسمة ماديا ان كان علي مستوي التخطيط أو التصريف… احتلال انتهي لاختطاف قطر و اغراق أبنائه في محيط من الكوارث التي تجاوز فيها المنفذون اجتثاث المشروع الي اجتثاث الإنسان و الهوية… و الكل عايش ظهور القاعدة و خليفتها داعش و من قابلها بذات الفعل الإجرامي و الارتهان لمراكز تسيير خارجية اقليمية كانت أم دولية ما يسمي ب”الحشد الشعبي”… فإذا كانت القاعدة و ما تفرع عنها من مسميات هي الأداة التي توجت العصر السعودي الذي تكلم عنه محمد حسنين هيكل نهاية السبعينات و بداية الثمانينات فالحشد الشعبي و حزب الله و أنصار الله هم الأداة أو الأذرع التنفيذية لعصر الولي الفقيه الفارسي كما يقدمها الصحفي و الناشر عبد الباري عطوان. عوامل متعددة لعبت و لازالت تلعب دورا هاما في تعريض حركة التحرر الوطني العربية و بكل فصائلها تنظيميا و فكريا لجملة أضرار و تشويهات بالغة الأثر حرف رؤية بعضها حد انخراطها في ركوب دبابات المحتل أو السير في غبارها لتحضي بمكان ما فيما خلقه المحتل من مؤسسات القطر المحتل و البعض الآخر الي الانخراط في الترويج للمشروع الفارسيأو المشروع التركي بحجة “بوصلتنا فلسطين ” و كأن للاحتلال أنواع، احتلال أملس يمثله كل من الاحتلال التركي للواء الإسكندرون و تطلعه لاحتلال اقليم الموصل في العراق و حلب و أدلب في سوريا، و الاحتلال الفارسي لكل من العراق و سوريا و لبنان و التطلع الي احتلال اليمن بعد أن اطمأن علي احتلاله للأحواز و الجزر العربية الثلاث… و أخر احتلال بأشواك تمثله عصابات الكيان الصهيوني لفلسطين. رغم أن الكل يعرف من أن الاحتلال و ان تباينت أهدافه بين احتلال يهدف استغلال المجال المحتل واحتلال يستهدف التوطين و اجتثاث ديمغرافي للمجال المحتل و توطين سكان ينتمون اليه بديلا عنه بما يعني اجتثاث هوية المجال و استبدالها بهوية أخري و كل من الاحتلالات الثلاث الصهيونية و الفارسية و التركية هي من ذات الفصيلة الواحدة…. رابعا: عوامل تدعمت بعامل خصبته القوي التي تستهدف الهيمنة علي الأمة و تشظية أقطارها تحت لافتة ظاهرها تمليك العرب أدوات تهدف رقيهم في ظاهرها و في حقيقتها تشظية وحدة وعيهم حتي بهويتهم القطرية ….. عامل تمثله الجمعيات المسماة بمنظمات المجتمع المدني. صحيح من أن ظهورها مرده التأزم الذي عاشته أو أغرقت فيه مؤسسات العمل السياسي ان كانت تلك الرسمية في ظل ما وصف أعلاه من نظام عربي أم مؤسسات شعبية ”أحزاب“ و تجاهل هذه المؤسسات لما هو اجتماعي ملح. ظهور و إن ابتدأ منذ التسعينات بصيغ بائنة مع ما لعبته هكذا لافتة في تقويض مجتمعات الكتلة الاشتراكية، و بمفهوم الانتشار مع ما سمي بالربيع العربي بما يؤكد من أنّ قوى المجتمع المدني هذه كانت من جمْرات نارِ الطبخِ لما نعيشه اليوم كعرب من واقع متدني في مختلف مفاصله… و بما يحيلنا علي استحضار البصمات الأمريكية الغربية في ما لعبته ذات المنظمات المدنية في أوروبا الشرقة من فعل و دور. فعل و دور زاد من حظوظها في الاستيلاء على انتباه الرأي العام العربي خاصة و قد طرحت قضايا و نشطت في الدفاع عنها. قضايا جلها تشكل نقاط في برامج و أعمال السياسة الدولية… ساعدها في كل ذلك انسيابية الإعلام و تطور التواصل عبر شبكات الانترنات… و أهمية المواقع الالكترونية إلي جانب غياب الأحزاب في قيادة الحراك الشعبي… فأصبحت حركة هذه المنظمات وكلما أحرزت مساحة من التقدم الا و ضعف في ذات المساحة العمل السياسي وفقد المزيد من قواه وموارده البشرية. للتدليل علي ذلك يقدر العدد الجملي لمنظمات المجتمع المدني في تونس خلال سنة 2018 فقط 21 ألف منظمة في قطر تعداد سكانه سنة 2014 هو 11مليون و 872 ألف نسمة و بعض المئات لا غير. منظمات مصادر تمويلها غير معروفة و لا حتي مراقبة من قبل الدولة… بعضها تحول الي مؤسسات استثمار و اقراض أي حلت في بعض الفواصل الاقتصادية محل الدولة و كل ذلك دون رقابة… فإذا كان التمويل داخلي فلماذا يختبئ أصحابه وراء منظمات كهذه هل هو التهرب من دفع الضرائب المستحقة أم تبييض للأموال المتأتية عن التهريب و التجارة الموازية… أم هو تمويل خارجي فهو تمويل يرتبط بجدول أعمال هيئات التمويل الخارجية و مراكزها السياسية، مراكز قطعا لا تبحث و لا تطلب من هذه الجمعيات أن تبني شيئاً على أنقاض ما تهدم أو ما دمر ان كان علي خلفية الحراك الشعبي أم علي يد الاحتلال أن كان أمريكيا أم ايرانيا كما هو في العراق أم ناتويا ” فرنسيا بريطانيا و ايطاليا” في ليبيا، بل تعميق أزمة المجتمعات القطرية و المجتمع العربي عامة منسحبة كجمعيات الي الخلف فاسحة المجال لمن يمتلك المشروع و الرؤية لإعادة تركيب المشهد من ساحة لأخري كيف ما يشاء و طبقا لما يستهدفه من مصالح… و من يمتلك المشروع و رؤية اعادة التركيب هو الأجنبي…ان كان ممولا أو واضع المشروع. عوامل متعددة عرضت الحياة السياسية بمؤسساتها ان كانت الرسمية أو الشعبية في مختلف بناها و هياكلها الي تشويهات و أضرار… تفرض علي الكل ان كان الشعبي الغير منتظم أم الشعبي المنتظم و بخاصة مفكري العرب و أصحاب الرؤية من بينهم الي اعادة تقويم كل ما تعرض له واقع الأمة و توظيف ما يزال في هذا الواقع ما ينضح به من ايجابيات لوضع الحلول بما يجعل منا كعرب نستعيد نزوعنا للنهوض و بناء دورنا في التاريخ الإنساني بما يؤكد من ان بعثنا الأول الذي صاغه الإسلام لا و لم يكن حالة عرضية. يتبع… 24/02/2019 d.smiri@hotmail.fr |
شبكة البصرة |
الثلاثاء 21 جماد الثاني 1440 / 26 شباط 2019 |
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط |