من اغتال زهور النرجس؟ | ||||||||||||||||
|
||||||||||||||||
عبدالستار الراوي | ||||||||||||||||
في كتابه (من اغتال زهور النرجس؟) يقدم الباحث مصطفى كامل جواباً شافياً على سؤال حلبجة! حيث تقدم دراسته الموضوعية والدقيقة خاتمة لحرب المغالطات السياسية ومسلسل الأضاليل، وتقيم في الوقت ذاته فصلاً عازلاً ما بين اجتراح الدعاوى واصطناع الاكاذيب وما يقابلها من الادلة الثبوتية القاطعة.
ويوفِّر النص المكثَّف مرجعاً وثائقياً، لمن شاء من الباحثين والمتابعين التحقق من مجريات احداث المجزرة البربرية وما سبقها وتزامن معها ونتج عنها من تداعيات المدينة العراقية. الغاية من إعداد هذا الكتاب كما يذكر المؤلف، أنه وجد خلال عمله الاعلامي خللاً كبيراً لدى الرأي العام في فهم احداث حلبجة، وهو بلا شك يشكل قصوراً معلوماتياً كبيرا يشترك فيه القارئ والمتابع الاعلامي والسياسي، وحتى الباحث المتخصص، بسبب حرب الدعاية المضادة، وماتنشره من أضاليل، كادت أن تطوي الوقائع وتغيب الحقيقة. وفي اعتقادي ومن واقع معرفتي بالكاتب أنه باحث بامتياز، وتعود تجريته في الكتابة الى ثلاثة عقود خلت، فقد أصدر كتابه الاول يوم كان طالبا جامعيا يدرس الفلسفة في جامعة بغداد، وكان من النصوص الواعدة في فلسفة السياسة فضلا عن كتاباته اللاحقة الاخرى، واعلم أن كتابه (من إغتال زهور الترجس؟) أخذ منه جهداً كبيراً من البحث وكلَّفه وقتاً مديدا ًمن المتابعات الدؤوبة، وقد أجرى عملية تدقيق عميقة للتحقق من للوثائق وللادبيات ذات الصلة بـ (مأساة حلبجة). في تقديمه للكتاب عدَّه الدكتور ناجي صبري الحديثي، بأنه (الاول) في تناوله هذا الموضوع المهم، حيث يقدم صورة شاملة تفصيلية عن الحدث بما يصوب الكثير من الانطباعات المشوهة، وينصف ليس جيش العراق فحسب، بل المدينة وشهداءها، من خلال تشخيص الجناة الحقيقيين ووضع المجزرة في سياقها الحقيقي.
عرض الباحث مقدمة ضافية وثَّق من خلالها قضايا ذات صلة من بينها: جريمة السلاح الكيمياوي البريطاني في قمع ثورة العشرين العراقية. حظر استخدام الذخائر الكيمياوية وفقا للقانون الدولي بدءا بعام 1935 وانتهاء باتفاقية الحظر الشامل للاسلحة الكيماوية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1997 خلال لقائه الامين العام للاهمم المتحدة عام 1985، اكد الشيخ هاشمي رفسنجاني أن المنشآت الايرانية لانتاج الاسلحة الكيمياوية أكثر تطورا من منشآت العراق. أولا: ضم البحث قسمين: تحدث في القسم الاول: عن مدخلات ومخرجات القضية الكردية، (الازمة والمعالجات)، وعرض لجملة من الاشكاليات ذات الصلة بالوثائق والشهادات، معززة بعدد من الدراسات والابحاث، كرَّس جزءاً منها في بسط وتحليل بعض المواقف والآراء، لعل ابرزها، رد العراق على الاتهامات الايرانية في المحافل الدولية. ويثير الباحث عدداً من الاسئلة، أبرزها سبب عزوف فرق التفتيش الاممية عن زيارة حلبجة الذي ضربت بسلاح تدميري شامل، فيما الأسلحة الكيماوية تشكل بعداً رئيسياً في مهمة اللجنة الدولية! هذا التجاهل يفضي إلى النوايا المبيتة للجنة الملغَّمة بوكلاء المخابرات الأميركية.
ثانيا: خصَّص الباحث القسم الاول لعدد من التقارير والأدلة والشهادات يهمنا منها: شهادة دبلوماسية: السفير موفق جاسم العاني، الذي صحب وفداً أميركياً عام 1988 (ضمَّ 40 خبيراً من وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة المخابرات المركزية (CIA) من بينهم خبراء بالسلاح الكيماوي في زيارة استطلاعية لمدينة حلبجة، بعد أكثر من شهرين من الزيارة، أظهرت التحليلات المختبرية الأميركية أن السلاح المستخدم في معركة حلبجة يتكون من مادة (هيدروجين السيانيد) وهو من اسلحة الترسانة العسكرية الايرانية، وان المعلومات المتوفرة لدى دوائر الاستخبارات الأميركية تؤكد أن العراق لم يشتر هذا النوع من السلاح، وخارج حدود قدرته على إنتاجه. قرار مجلس الامن رقم 613 في آيار/مايو 1988: وهذا القرار لم يحمل العراق مسؤولية ضرب حلبجة بالاسلحة الكيماوية، ورغم أنه صرَّح بأن الاسلحة الكيماوية استخدمت في النزاع، ولكنه لم يحددالطرف الذي استخدمها في حلبجة أو في غيرها. السيد سعد قاسم حمودي: رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني العراقي (البرلمان) قال في شهادته، يرحمه الله: لم تتوقف الحرب الاعلامية الايرانية في المؤتمرات الدولية عن ترويج الاتهامات ضد العراق، عبر سيل متدفق من البيانات والافلام والملصقات، فيما عقدت ألسنتهم وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية، تؤكد فيها ان ايران وليس العراق من نفذ تلك المجزرة البربرية. حسام محمد أمين: مدير عام دائرة الرقابة الوطنية في العراق، يتحدث عن الدكتور دان الاسترالي رئيس الفريق الكيماوي التابع للجنة الخاصة، ففي حزيران/يونيو 1981، زار الخبير كلا من بغداد وطهران، مكلفا بالتحقيق في قضية حلبجة، وأعدَّ تقريره النهائي، الذي أثبت فيه أن ايران هي من ارتكبت جريمة حلبجة. السيد عزيز الحاج: الكاتب العراقي والقيادي الشيوعي المعروف وفقا لـ(جريدة القدس العربي 24 /7/1992): هناك تقارير سرية أميركية تسربت بعض من فقراتها إلى الصحف في الولايات المتحدة تؤكد مسؤولية النظام الايراني عن هذه المجزرة (حلبجة) نظرا لعدم امتلاك العراق لهذا النوع من الغازات التي تم استخدامها في تنفيذ المذبحة الوحشية.
ثالثا: أما القسم الثاني، فتضمن الوثائق المعنية، ربما تنشر لأول مرة أو لم يجرِ الاطلاع عليها من قبل، فقد أورد الباحث 17 وثيقة متنوعة في بابها، تتوزع مابين استطلاعات ميدانية، ومعلومات استخباراتية، وتقارير بعثة الامم المتحدة، وشهادات دبلوماسيين وخبراء، ولعل الأهم بين الوثائق هي الوثيقة التي أعدَّتها لجنة فنية عالية المستوى من الجيش الأميركي، بعد نشوب أزمة الكويت عام 1990، وقبيل بدء الصراع العسكري بين العراق والولايات المتحدة. إذ شكَّلت قيادة وحدة المارينز في القوات البحرية الأميركية لجنة تضم خبراء فنيين وعسكريين، لتقييم قدرات الجيش العراقي الذي كانت الولايات المتحدة تتأهب لخوض حربٍ شاملة ضده، ما يستلزم أعلى درجات الدقة في تقييم تلك القدرات العراقية، وعدم تضليل القوات العسكرية الأميركية ضماناً لعدم وقوع خسائر في صفوف الجيش الأميركي. ترأس اللجنة نائب قائد قسم التطوير القتالي في قوات المارينز، الميجور جنرال م. ب. كاولفيلد M.P.CAULFIELD، وأصدرت تلك اللجنة تقريراً شاملاً وتفصيلياً لاستعراض وتحليل كل القدرات العسكرية العراقية، في مجال القوات الجوية والبرية والأسلحة الكيميائية والتكتيك العسكري العراقي. في هذا التقرير فصل مخصص لاستعراض واقع الأسلحة الكيمياوية العراقية، وتاريخ استخدام الجيش العراقي لهذه الأسلحة، حيث يشير إلى استخدام العراق لتلك الأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية، ولكن فقط لأغراض تعويق الهجمات الكبيرة التي كان الجانب الإيراني يزجُّ خلالها بأعداد كبيرة جداً من المقاتلين على شكل موجات بشرية هائلة لاقتحام الخطوط الدفاعية العراقية. ويشدد التقرير على ان العراق لم يستخدم أسلحة كيمائية قاتلة حينها، بل استخدم عوامل كيمياوية لأغراض تعويق تقدم تلك القوات. لكن هذه ليست كل القصة، فالحق ما شهدت به الأعداء كما يُقال.. ففي الصفحة 100 من هذا الفصل يقول التقرير، بلغة واضحة وصريحة “ويُزعم أن عوامل الدم مسؤولة في معظمها عن الاستخدام الشائن للمواد الكيميائية في الحرب- قتل الأكراد في حلبجة. وبما أن العراقيين ليس لديهم تاريخ في استخدام هذين العنصرين- والإيرانيون لديهم ذلك التاريخ- فقد خلصنا إلى أن الإيرانيين هم من ارتكب هذا الهجوم”. ولا يكتفي التقرير الرسمي العسكري والفني الأميركي بذلك، بل إنه يمضي قُدماً في التشكيك بحصول مجزرة على هذا النحو الواسع في مدينة حلبجة، مشككاً بالرقم المتداول (5000 قتيل) فيقول “من الجدير بالذكر أيضا أنه من الصعب الحصول على تركيزات العناصر القاتلة من السيانوجين على المساحة المُستهدفة. ومن هنا فأن التقارير التي تتحدث عن مقتل 5000 كردي في حلبجة مشكوك فيها”.
وبعد قراءة وتحليل جميع الوثائق المنشورة في هذا الكتاب، نجدها تجمع على: إدانة ايران وتحملها مسؤولية الابادة الوحشية لمواطني حلبجة، قيام الحرس الثوري بتنفيذ جريمة الابادة الجماعية يومي 16 و17 من آذار/مارس 1988، تدحض الوثائق الادعاءات الايرانية وتواطؤ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على إخفاء الحقيقة، وفي الكتاب نجد أن الوثائق الأميركية الاكاديمية والاستخبارية والعسكرية تمثل جانباً مهماً، باعتبارها أول من كشف عن الفاعل الحقيقي لمجزرة حلبجة.
رابعا: مع كل القرائن والبينات التي تؤكد بمجملها براءة العراق مما نسب إليه وما روج ضده من الدعايات الرخيصة خلال 30 عاما، وتوخيا للموضوعية، من اجل الوقوف على الحقائق كاملة وإنصافا للضحايا، يقترح الباحث في خاتمة كتابه، إنشاء لجنة دولية مستقلة ذات طبيعة علمية– قانونية، للتحقيق في هذه القضية، لفحص الوثائق، وتحليل جثامين الضحايا، والتعرف على نوعية المادة الكيماوية.
خامسا: ملاحظات: دأبت وزارة الثقافة والارشاد الايرانية عبر أدواتها الاتصالية أن تجعل من قضية حلبجة مادة دعائية مضادة للعراق، تحرص على إحياء ذكراها يوم السادس عشر من آذار/مارس من كل عام، من بينها فضائية العالم والصحف اليومية: مثل (جمهوري اسلامي، ابرار، كيهان) وغيرها. خلال زياراته المتكررة لطهران حرص جلال طالباني على عقد لقاءات مع بعض الدبلوماسيين العرب والاجانب، ليطلعهم على تطورات الموقف السياسي في المنطقة الكردية من العراق، وتكون قضية حلبجة افتتاحية اللقاءات، وختامها، بقصد تشويه صورة النظام السياسي لاستمرار التعبئة المضادة تجاه العراق. كانت صحف احزاب المعارضة العراقية في ايران شارك باصدار اعداد خاصة احياء لذكرى مجزرة حلبجة وتعلن تضامنها مع حليفها حزب طالباني (الاتحاد الكردستاني)، في هذا اليوم حيث تكرس الاعمدة والمقالات والصور بالكامل ليوم (حلبجة) إلى جانب الطبعة الايرانية من جريدة (الاتحاد) الناطقة باسم حزب طالباني. في الختام أكبر موضوعية الباحث مصطفى كامل في اقصاء الافكار المسبقة، والشروع المنهجي في بناء مقدمات البحث واستخلاص النتائج على نحو موضوعي محكم، وفقا لما توفر لديه من من وثائق رسمية مصنفة، وشهادات حية، وحرصه العلمي على عرض وجهات النظر المختلفة بما لها وما عليهاـ ولعل من المفيد إعادة طباعة الكتاب وتوزيعه في نطاق المنتديات والمؤتمرات التي تعقدها جمعيات الكفاءات العراقية، وآمل أن ينشر على الشبكة العالميةـ كتاب (من اغتال زهور النرجس؟) وسام على صدر العراق، أحيي الباحث مرة أخرى وأخرى، وأصافحه بحرارة، بل العراق كله يحييه ويقبل عينيه، فقد أعاد الاعتبار للجندية العراقية، وملأ قلب جلجامش وصدام حسين بالفرح الجليل. وجهات نظر |
||||||||||||||||
شبكة البصرة | ||||||||||||||||
الجمعة 29 جماد الثاني 1439 / 16 آذار 2018 | ||||||||||||||||
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط |