نقاش حول مفهوم الحضارة في التاريخ الإنساني
وما هي حضارة بلاد فارس على المدى التاريخي؟
ـ 3 ـ
باقر الصراف
كاتب عراقي مقيم في هولندا
الحلقة الثالثة والأخيرة
وإذا تعمقنا في الرؤية العلمية للجوانب المختلفة والمتباينة لهذا المفهوم الفكري الذي يتعلق بـ[البُعد الحضاري]”، سنكتشف بالضرورة وجوب توفر العاملين الأساسيين: الجغرافي والتاريخي للوسط الإجتماعي الذي تنمو فيه مفاهيم الحضارة البشرية، ويبدعه هذا “الوسط الإجتماعي” على شتى المستويات، وهو ما يتوفر بالحالة الحضارية الرافدية والحالة الحضارية العيلامية، ووريثيهما الدولة العراقية والأحواز العربي المحتل من قبل إيران الحاليين، وأساسهما المادي الحضارة النهرية والسهول الرسوبية.
وهناك بحوثٌ علمية وتاريخية كثيرة التي تطرقت إلى التجليات الأساسية في هاتين الحضارتين من خلال المكتشفات الآثارية والأوابد الصامدة على مر الزمن، والمعلومات التاريخية الغزيرة المنشورة في البحوث والكتب.
فعلى سبيل المثال، فقد أصدرت وزارة الثقافة والإعلام العراقية، عبر دار الحرية للطباعة والنشر، موسوعة “حضارة العراق” في العام 1985، تتكون من ستة عشر مجلداً ساهم في إثرائها بالبحث الدؤوب وتشخيص أصنافها، عشرات المتخصصين فيما يتعلق بتجليات المفاهيم الحضارية، ناهيك عن قيام آخرين عراقيين وعرب وأجانب في تسليط الأضواء على الأبعاد الحضارة الرافدية والعيلامية، في حين تندر البحوث التاريخية عن المعالم الفارسية الملموسة للأبعاد الحضارية المنغرسة في أعماق التاريخ.
ولا يمكننا بطبيعة الحال إعتبار المعايير العربية الإسلامية من بنات الأفكار الفارسية، وبالتالي إعتبار الحضارة العربية الإسلامية هي نتيجة للتكوين الإجتماعي الفارسي، بأية حالٍ من الأحوال.
فلو تصفحنا الجزء الثالث من تلك الموسوعة ـ على سبيل المثال ـ لعثرنا على العناوين التالية : “الفخار في عصر ما قبل التاريخ”. الفخار منذ عصر فجر السلالات حتى نهاية العصر البابلي القديم. الفخار بين العصر البابلي الحديث (الكلدي) والعصر الإسلامي. العمارة حتى عصر فجر الرسالات. العمارة من عصر فجر السلالات إلى العصر البابلي الحديث. العمارة في في العصرين السلوقي والفرثي. عمارة الحضر. العمارة قبيل الإسلام. الرسوم الجدارية منذ أقدم العصور. نشأة القرى العراقية الأولي. المدينة الأولى. المدينة من عصر فجر السلالات حتى نهاية العصر البابلي الحديث. المدينة منذ العصر السلوقي حتى ظهور الإسلام.
وهناك في تلك الموسوعة بحوث مُعمَّقة حول نشوء الزراعة وتكثير أنواعها وإستزراع أصنافها، وتدجين الحيوات وإستخدامها في النقل والزراعة، وصناعة الأسلحة وتطورها من الصخور إلى المعادن المتنوعة والمختلفة، وتطور اللغة من الإستعانة بالرسوم إلى التجريد اللغوي وإكتشاف اللغة المسمارية وتطوراتها، فضلاً عن التنوع الإبداعي في مجال الكتابات الأدبية والشعر الملحمي، والسحر والظواهر الأخري التي تتعلق بمراقية النجوم ومتابعة نشوء وتطور فكرة الإله والأديان، وحول تقسيم الوقت إلى أجزاء ما تزال مستعملة حتى اليوم، وإكتشاف الأرقام من واحد إلى تسعة من خلال كتابتها على شكل زوايا على الأرض والرُقٌم الطينية، وهناك بحوث كثيرة حول مختلف الجوانب التي تتضمنها معانى الحضارة المتنوعة الكثيرة.
أما من بين أبرز المساهمات الفكرية والعلمية على المفهوم الفكري للحضارتين العربية والعيلامية، فضلاً عن الموسوعة السالف ذكرها، فهي الكتب التالية :
1ـ كتاب بلاد الرافدين وعيلام، العلاقات الحضارية في التاريخ القديم، تأليف نصار سليمان السعدون، إصدار أنانا للطباعة والنشر، دمشق/سوريا، 2010.
2ـ مقدمة تاريخ الحضارات القديمة، تأليف الأستاذ طه باقر، إصدار شركة دار الوراق للنشر المحدود، 2009، توزيع الفرات للنشر والتوزيع، بيروت/لبنان.
3ـ دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960، وهو موسوعة دار معارف علمية تاريخية، جغرافية، إجتماعية، صناعية، زراعية، تجارية، تأليف الأساتذة محمد فهمي دروش والدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة، مطبعة دار التمدن، بغداد/الجمهورية العراقية، 1961.
وغيرها من البحوث التاريخية العميقة والرصينة الكثيرة التي لا مجال للتطرق إليها في هذا النقاش الموجز.
فأين البحوث التدقيقية التاريخية التي تناولت مفهوم الحضارة كما جرى تحديد معناه خلال الحلقة الثانية والتي جرى في تحديدها عبر الإعتماد على المصادر المتعددة.
26/8/2016
إنتهى البحث
شبكة البصرة
الاربعاء 28 ذي القعدة 1437 / 31 آب 2016
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط