نقاش حول مفهوم الحضارة في التاريخ الإنساني
وما هي حضارة بلاد فارس على المدى التاريخي؟
ـ 1 ـ
باقر الصراف
كاتب عراقي مقيم في هولندا
قبل أيام كان ضيوفي مجموعة من المهمومين بالقضية الوطنية العراقية، وكنا جميعاً نمتلك مواقع خاصة في الـ”Face Book”، نبُّث فيه “شكوانا الخاصة والعامة”، حول مجريات الواقع العراقي المأساوي، من مواقع إجتهادية متباينة جرّاء ظروف سياسية وإجتماعية وثقافية متعددة، ونحاول “فهم ملابسات الماضي”، كي نعمل على إجتراح السبيل القويم الذي نتصوره [بالمعنى الفلسفي]، بغية ربط الحاضر بالمستقبل، كما أتصور.
وهؤلاء الضيوف كانوا على الوجه التالي :
1- الفنان الكبير السيد حمودي الحارثي: (أبو الحارث)، الذي قَدِم من منطقة سكنه في “زوتر مير”.
2- السيد الحاج كاظم علي جواد الأسدي: (أبو محمد)، الذي قدِمَ من منطقة سكنه في مدينة “دلِفت”.
3- الأستاذ عبد الفتاح حسين عبد على فتح الله: (أبو محمد)، الذي قدِمَ من مدينة “ليلي ستاد”.
وخلال الجلسة الأخوية التي إمتدت من الساعة الحادية عشرة وحتى السابعة مساءً، كانت الموضوعات الفكرية والسياسية الهامة تجرفنا من السواحل الثقافية إلى أعماق الأوضاع السياسية، وتحاول مرة أخرى أنْ ترمينا على جرف اليابسة.
كان الفنان الحارثي يقود عجلة حوارنا بهدوئه العجيب وثقافته الفكرية والسياسية العالية، وهي من السمات الخاصة على ضوء اللعلعة والصياح الصوتي الذي يمكن العثور عليها ـ وإنْ كانت بدرجات متفاوتة ـ في سلوك غالبية العراقيين. مما ساهم في إنقاذنا من الغرق في الجب العميق أو التوهان في إصطخاب المياه المتلاطمة الأمواج، أو السباحة العشوائية التي لاتعرف هدفها السياسي ولا تركز بصيرتها على الشأن الثقافي، إذ طرح الأخ الأستاذ عبد الفتاح حسين فتح الله موضوعة “البُعد الحضاري” لطابع الصراعات الأساسية في المنطقة العربية والإسلامية، ليستخلص أنَّ “الوضع الحضاري الإيراني هو القاسم المشترك في كل المنطقة العربية خصوصاً، بل حتى العالمية.
وفي خضَّم النقاش الفكري حول هذه “الأطروحة الحضارية”، تم طرح سؤال عن المحددات “التاريخية والجغرافية” التي تحتوي هذا البُعد: الحضاري وإستتباعاً الثقافي، كون البيئة الوطنية والقومية ـ كما أعتقد ـ هي الأطر الموضوعية المحددة لإِفراز أو توليد هذا البعد الحضاري، الذي لا يمكن أنْ يكون مجرداً منهما، خاصة وأنا أزعم أنَّ “إيران القائمة اليوم” والتي إنبثق وجودها السياسي في الأعوام الثلاثينية من القرن الماضي تحت “المشروع الفضفاض لنقاء الدم الآري”، وهو مفهوم هتلري ألماني عنصري رجعي من الناحية العلمية يركز على طابع “نقاء الدم” والتكوين الخاص للـ”عنصر الجرماني”، على طول الخط وفي كافة مناحيه ومختلف جوانبه، والتي كانت سائدة آنذاك في بعض المناطق العالمية تحت مؤثرات التجربة الألمانية والفلسفة النيتشوية حول “القوة الفردية” الخالية من معايير الرأفة وخالية من خصائص الرحمة.
إنَّ بلاد فارس سواء في الماضي أو خلال الظرف الحاضر، وفي أية حال، لا تمتلك عمقاً حضارياً على أي صعيد كان ما خلا “حضارة السهم” و”حضارة حروب التخريب” ونزعات تفتيت وحدة المجتمعات بإستخدام “القوى غير الفارسية”، ولا يصرفون أموالهم ولا ينفقون إمكانياتهم من أجل التأسيس أو البناء، كما يسميها: “أي حضارة السهم”، الباحث الفارسي المرموق الدكتور المرحوم ناصر بور بيرار.
ورداً على سؤال حول مفهوم “الحضارة الفارسية” تساءلتُ: ما هي العناوين الأساسية لتلك الحضارة؟ وما هي شروط قيامها من التاريخية الجغرافية: أي الوطنية أو القومية؟ في ظل الحضور الأساسي لمفهوم “الحضارة العيلامية”، التي ترتبط بالشعب العربي الأحوازي، لغة وتكويناً مجتمعياً، والحضارة الرافدية وتعدد أنواعها: السومرية والآشورية والأكدية والبابلية والعباسية.
في حين تغيب أي معالم “فارسية حضارية ملموسة” واضحة، خاصة على أيٍ من المستويات المرموقة أو التجليات الرفيعة تتعلق بهذا المفهوم، وإستشهدتُ بالآثار والأوابد الإبداعية الكثيرة والجمُّة في كلا الحضارتين: العيلامية والرافدية، وكثرة المتاحف العراقية وتجليات الآثار العراقية في العالم، وأقول الآن إنَّ الزائر لمصر الكنانية أو العراق الراهن يجد من المتاحف والأثار ما لا يُعَّد أو يحصى، فهل نجد في إيران الحالية مثل هذا الواقع الحضاري والتنوع الآثاري؟.
يتبع….
شبكة البصرة
الاحد 25 ذي القعدة 1437 / 28 آب 2016
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط