الإساءة للفنانة الكبيرة فيروز والانحطاط الصحفي |
شبكة البصرة |
السيد زهره |
ضجة كبيرة في لبنان هذه الأيام بسبب ما فعلته مجلة لبنانية نشرت موضوعا طويلا كتبه رئيس تحريرها اساء فيه اساءات شخصية بالغة الى الفنانة الكبيرة فيروز.
نشر الموضوع فجر غضبا عارما وانتقادات واسعة النطاق على كل المستويات. وليس هذا بالأمر الغريب، ففيروز ليست مجرد فنانة عربية مبدعة كبيرة، لكنها رمز من رموز لبنان الوطنية. الحقيقة ان ما فعلته هذه المجلة اللبنانية هو نموذج فج للإنحطاط الصحفي.. نموذج لغياب القيم والمعايير المهنية والأخلاقية والوطنية. بطبيعة الحال، أي فنان او شخصية عامة ليس فوق النقد او المحاسبة. من حق أي كاتب او صحفي ان ينتقد أي شخصية عامة ويرفض ما يشاء من مواقفها او تصرفاتها، ولكن في حدود الآدااب والأخلاقيات المهنية المتعارف عليها، وما تقتضيه المصلحة العامة. والمعيار الأساسي هنا في الحديث عن الشخصيات العامة، بالسلب او الايجاب، يكون على اساس الاسهام الذي تقدمه في مجالها ومواقفها العامة، وليس على اساس أي اعتبارت شخصية لا شأن للراي العام بها. المجلة اللبنانية تجاوزت هذا،وتعمدت الاساءة لفيروز اساءات شخصية، وحاولت تشويه صورتها من دون أي مناسبة او مبرر موضوعي يمكن ان يكون مقبولا. هذا أمر. الأمر الآخر ان فيروز كما ذكرت، اصبحت رمزا لكل اللبنانيين والعرب ايضا، بكل انتماءاتهم ودياناتهم وطوائفهم. الحقيقة ان فيروز هي من الرموز التوحيدية القليلة في لبنان. السؤال هنا هو : هل من المقبول من أي صحفي او كاتب ان يسعى الى تشويه صورة ومحاولة هدم رمز وطني مثل فيروز او في أي مجال من المجالات؟ بالطبع، هذا ليس مقبولا في اي حال من الأحوال. الاساءة لأي رمز وطني من دون اي دا او مبرر لا يمكن ان يكون من المصلحة الوطنية ف يشيء. بالعكس، الاساءة لفيروز هي في نفس الوقت اساءة وتحقير لكل المعاني المرتبطة بها كرمز يوحد اللبنانيين ويعتزون به ويفتخرون. بالطبع، في كل مرة تقدم صحيفة او مجلة او أي جهاز اعلامي على امر محل استهجان مثل الذي فعلته المجلة اللبنانية، يثار التساؤل التقليدي: ولماذا لا ينظر الى الأمر على انه ممارسة لحرية التعبير؟ والجواب التقليدي ايضا هنا الذي يعرفه الاعلام في العالم كله ان ممارسة الحرية في الاعلام او السياسة لا يمكن ان تكون مطلقة بلا ضابط ولا رابط. الحرية مرتبطة بالمسئولية الاجتماعية والوطنية العامة. وفي كل الأحوال، ليس مقبولا باسم الحرية تشويه صورة أي انسان او محاولة هدم رمز وطني. الكارثة الأكبر فيما فعلته المجلة تتمثل فيما قاله رئيس التحرير والمبرر الذي قدمه لما كتبه عن فيروز. رئيس التحرير رفض الاعتذار او الاعتراف بأنه ارتكب أي خطأ. وبرر ذلك بالقول : كل ما في الأمر انني صحفي لديه معلومات، فنشرها. هذا المنطق هو في حد ذاته مصيبة مهنية ووطنية، ويعبر عن قمة الاستهتار وعدم الاحساس بأي مسئولية.
السؤال المهني والوطني هنا هو: هل اذا كان لدى الصحفي او الكاتب او أي شخصية عامة معلومات عن قضية معينة، حتى لو كانت قضية هامة ولا تتعلق بأمور شخصية.. هل من حقه ان ينشر هذه المعلومات بغض النظر عن أي اعتبار آخر على الاطلاق، وبغض النظر عن أي نتائج قد تترتب على هذا النشر؟. الجواب هو بالطبع: لا.
ماذا مثلا لو ان المعلومات التي لدى الصحفي او الكاتب يمكن ان يترتب على نشرها الحاق الضرر بالأمن الوطني للبلاد؟ ماذا مثلا لو كان نشر هذه المعلومات يمكن ان يقود الى اشعال فتنة طائفية؟ ماذا مثلا لو كان نشر هذه المعلومات يمكن ان يخدم اعداء الوطن؟ وماذا لو كان نشر المعلومات من شأنه ان يهدم رمزا وطنيا يمثل وجوده مصلحة وطنية عامة؟ وقل مثل هذه تساؤلات كثيرة. الحقيقة ان المنطق الذي تحدث به رئيس تحرير المجلة اللبنانية هو منطق فاسد مهنيا ووطنيا، وابعد ما يكون عن الاحساس بالمسئولية التي من المفروض ان يتحلى بها كل من يعمل في مجال الاعلام ويخاطب الراي العام. للأسف الشديد، هذا الانحطاط الذي انحدرت اليه المجلة اللبنانية هو مجرد نموذج واحد من انحطاط صحفي واعلامي عام اصبحنا نتابع يوميا الكثير من مظاهره في كثير من الدول العربية. وهذا امر يتطلب وقفة من اصحاب المهنة انفسهم في كل بلد قبل أي احد آخر. |
شبكة البصرة |
الثلاثاء 5 ربيع الاول 1437 / 15 كانون الاول 2015 |
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط |