بعض من كتاب الدكتور علي شريعتي ….
التشيع العلوي والتشيع الصفوي ح6
بلال أحمد
تعظيم أيمة الشيعة وتقزيم أئمة الشيعة :
كان على الصفويين أن (يعظموا) أئمة الشيعة لكي يظهروا أمام الناس بمظهر المدافع عن أهل البيت والمطالب بإرجاع حقهم وأحياء مذهبهم، وكان عليهم في ذات الوقت أن (يقزموا) أهل البيت لكي يفقدوهم الطابع والصفة الرمزية بين الشيعة والتي من شأنها أن تلهمهم السير على خطاهم والتأسي بسيرتهم في رفض الذل والعبودية والمطالبة بإقامة العدل وتحكيم الحق والالتزام بمظاهر الورع والتقوى ونبذ الظلم والحيف والتميز الطبقي والعرقي والتأكيد على ممارسة الفرد لدوره الإيجابي البنّاء على الصعيد الاجتماعي. يقول الدكتور، لعمري، كانت مسؤولية شاقة تحملتها الكنيسة الصفوية في الجمع بين النقيضين : تعظيم أئمة الشيعة وتقزيم أئمة الشيعة!
أما كيف تم ذلك؟ فوفق معادلة دقيقة محسوبة على وتيرة واحدة ومنوال ثابت : فمن جهة، يجري العمل على رفع مقام ومنزلة الإمام الى مرتبة الإلوهية ويتحول الإمام الذي هو مرجع في الفهم الصحيح للقرآن و السنة، يتحول هذا الإمام من عبد طاهر وقائد من جنس البشر الى موجود غير بشري شبيه بالآلهة الصغار الذين يحيطون بالإله الأكبر في الأساطير وفي معتقدات الأديان الوثنية ولهذا الموجود خصائص إلهية كالخالق والرازق والمدبر والمهيمن على مصائر الناس ويتمتع بولاية تكونية على حدّ ولاية الله!، ومن جهة آخرى، فأن أمام الشيعة الذي له التاريخ، بأنه مظهر التقوى والورع والعدل والحق والعلم والحرية والجدارة في قيادة النهظة ومقاومة الظلم والجهل والجور والترف والاستبداد، وهو المرآة التي تتجلى فيها مضامين الانسانية والفخر والاعتزاز والفضلية والشرف والنزاهة والوعي والصمود والتحرر وعدم المساومة على الحق، هكذا شخصية بهذه المواصفات السامية يتحول بفعل الجهد الصفوي الى كائن ضعيف عاجز مساوم خائف أناني أنتهازي منعزل، يعارض منطق الشهادة ويستنكر على الناس تفكيرهم بالخروج على النظام الفاسد ومقارعة الظلم، ويروج مبدأ الرضا والتسليم للأمر الواقع ويفتي لمصلحة الجهاز الحاكم ولو كان ذلك خلاف الشرع عملاً بالتقية!وهو في نهاية المطاف إنسان محتقر عديم الشأن ينظر اليه الحاكم نظرة أحتقار وسوء ظن، وهو بالمقابل مستعد للقيام بأي شيء لمجرد إرضاء الحاكم، يتشرف بالانتساب الى الحاكم اكثر من أنتسابه الى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتورع عن الانظمام الى قافلة المتزلفين الى الحاكم ممن يتأملون أن يجود عليهم الحاكم بالعطايا والهبات.
وبغية إرساء قواعد حكم رجعي على دعائم نهج ثوري وتأسيس حكومة الزور والزيف والاستبداد السياسي والاستغلال الطبقي على دعامتي (العدل والإمامة)!، وبغية تبديل (التشيع الأحمر) وذلك لونه على الدوام الى تشيع أسود وذلك لون الموت الذي أرتدته الصفوية بحجة العزاء، ومن أجل أن يتخذوا من (الولاية) سنداً قوياً ومقدساً (للحاكم) وسيفاً قاطعاً بيده، ومن عاشوراء أفيوناً مخدراً ومادةً لتأليبهم على السنّة. نعم، من أجل هذا وغيره كان على ماكنة السحر الأسود الصفوي أن ينتج سائلاً يصلح لجعل الشيعي قوياً وضعيفاً في آن، وحضراً وغائباً في كل مكان، وقادر على التخدير وفي نفس الوقت هي منبهة للإنسان ومهيجة له، وينجح في إدخال أكثرية الناس في المدن والقرى الى المذهب الشيعي جبراً أو أختياراً، في ظل هذا النتاج الغريب سوف تظل المنابر تلهج باسم (كربلاء) ليل نهار وفي كل عصر ومصر، وفي نفس الوقت لا يُسمع هذا الاسم من على تلك المنابر.وفي حاشية الكتاب يذكر الدكتور مايلي : هذا هو الفن الإعجازي العجيب الذي لا يتقنه في هذا العالم الفسيح سوانا نحن الإيرانيين –وهو بالطبع الفن الوحيد الذي نتقنه – وما زالت بعض الأبواق الصفوية تستخدم هذا الفن (الأصيل) الذي يمكن أن نسميه بفن (الكلام بلا كلام)، أن الصمت المعبّر أمر يعرفه الجميع، ولكن التعبير الصامت فنّ لا يجيده إلا خطباء التشيع الصفوي، لقد سخروا جميع الطاقات على مدى أكثر من ثلاثمائة من أجل الدعاية لقضية عاشوراء، وفي كل عام شهران (محرم وصفر) وكل مناسبة وفاة أو ولادة وفي كل عيد أو عزاء تسخر المنابر لقضية عاشوراء.ومع ذلك نجد أن الوثائق العلمية في مجال الثورة الكوبية وشخصية فيدل كاسترو أكثر مما هو موجود لدينا بشأن عاشوراء.
الشيعي بفضل هذا الأكسير الكيميائي، يستغرق الوقت ليل نهار في أنشاد الشعر وكتابة النثر في مدح الائمة والثناء عليهم والإشادة بخصالهم ونقل مناقبهم وكراماتهم وأفعالهم الخارقة للعادة والخصوصيات التي ظهرت على أيديهم قبل الخلقة وبعدها وقبل الولادة أو أثنائها وعند الموت وفي القبر وفي عالم الرؤيا والمنام واليقظة و الانتباه، لكن هذا الشيعي لا ينبغي له أن يتطرق لذكر حديث تربوي عن الأئمة يوضح طريقة عيشهم ومنهجهم في التفكير والسلوك والتعاطي مع قضايا المجتمع، وما هو الأثر الذي خلفه كلّ واحد منهم بعد الوفاة والرسالة التي حملها أثناء الحياة. وهكذا نجد أن كل ايراني لابد وأن سمع مئات أو آلاف المرات بأن الامام الجواد يدخل الغرفة وبابها مغلقة، ولكن أياً من هؤلاء لو يحفظ حديثاً واحداً عن الامام، الجميع يبكون في كل عام بمناسبة أستشهاد الامام الجواد، ولكن أحداً لا يعرف لماذا أستشهد الامام الجواد؟
إن الفن الأكبر للروحانية الصفوية تجلى في الترويج لمبدأ تقديس الامام دون معرفته وفي أبدال علاقة الناس بالامام من (المعرفة الى المحبة)، دون شك، أن المحبة هي حالة طبيعية وشعور إنساني سام، بيد أن المحبة تحتل – في التشيع الصفوي – مكان المعرفة، هي محبة قبل المعرفة لا بعدها، والغرض الداعي الى ترويج هذا النوع من المحبة هو تجريدها من آثارها، لان حب الامام المجهول ولو كان -علي رضي الله عنه – لن يكون له أي فائدة أو ضرر أو تأثير، ومن هنا، يقول الدكتور علي، فإن النظام الصفوي وأجهزته الدعائية تسعى عبر تلقين المواعظ والخطب والمراثي والأشعار الى مضاعفة حبّ الامام في القلوب وتضعيفه في العقول.
المبدأ الأساسي في التشيع العلوي يقول : (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
غير أن هذا المبدأ، تعرض لعملية تحريف (بسيطة) فأصبح (من مات ولم يحب إمام زمانه، مات ميتة جاهلية). وهكذا تم بمهارة أنتاج هذا السحر المتناقض، وقامت الروحانية الصفوية بتعبئته في كبسولة التشيع ومهره بختم (ولاية علي) وتوزيعه على محبي أهل البيت وعشاق علي رضي الله عنه وكل معتقد بالامام وذلك لضمان تخدير الشيعة وتثويرهم، وتعظيم الأئمة وتقزيمهم في آن واحد، وبذلك تكون الصفوية قد أكتشفت معادلة تركيبية دقيقة شكلّت سر نجاح التشيع الصفوي وهي في الوقت ذاته سبب أنكسار التشيع العلوي، وهي العامل الأساسي في قدرة الصفوية على تسويد لون التشيع الأحمر وتبديل ثقافة الموت ومذهب الامام الحسين عليه السلام بمذهب الشاه سلطان حسين! ليتحول التشيع الذي ظل مظلوم الى تشيع يقف في خندق الظالم ويسنده ويعتمد عليه.
شبكة البصرة
السبت 22 رجب 1434 / 1 حزيران 2013
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط